"هـ" الاستئناف لبيان السبب:
يقول في قوله تعالى: ﴿الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ ١ ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى﴾ الجملة في محل الرفع إن كان ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ مبتدأ، وإلا فلا محل لها، ونظم الكلام على الوجهين: أنك إذا نويت الابتداء بالذين يؤمنون بالغيب، فقد ذهبت به مذهب الاستئناف، وذلك أنه لما قيل ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ واختص المتقون بأن الكتاب لهم هدى، اتجه لسائل أن يسأل فيقول: ما بال المتقين مخصوصين بذلك؟ فوقع قوله ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ إلى ساقته، كأنه جوب لهذا السؤال المقدر،... ، وإن جعلته تابعا للمتقين وقع الاستئناف على ﴿أُولَئِكَ﴾، كأنه قيل: ما للمستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى، فأجيب: بأن أولئك الموصوفين غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا -واعلم أن هذا النوع من الاستئناف يجيء تارة بإعادة اسم من استؤنف عنه الحديث، كقوله: "قد أحسنت إلى زيد، وزيد حقيق بالإحسان"، وتارة بإعادة صفته كقوله "أحسنت إلى زيد صديقك القديم" فيكون الاستئناف بإعادة الصفة أحسن وأبلغ، لانطوائها على بيان الموجب وتلخيصه٢.

١ البقرة: ٢-٥.
٢ الكشاف ١/ ١٣٨-١٤٠.


الصفحة التالية
Icon