ويكرر هذه الفكرة في قوله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ ١.
"هـ" ربما:
وتكون بمعنى التقليل، كما في قوله تعالى: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ ٢، والقليل وارد على مذهب العرب في قولهم: "لعلك ستندم على فعلك، وربما ندم الإنسان على ما فعل"، ولا يشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا لو كان الندم مشكوكا فيه أو كان قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل، لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المظنون، كما يتحرزون من المتيقن، ومن القليل منه كما من الكثير، وكذلك معنى الآية الكريمة: "لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة فبالحريِّ أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودونه في كل ساعة"٣.
"و" أداتا الشرط "إن" و"إذا":
يقرر الزمخشري فيهما هذا المعنى المشهور، وهو أن "إن" للشرط المشكوك فيه، و"إذا" للشرط المتيقن، ويجتهد ليبين هذه الدلالة ومدى إصابتها للغرض، والمقام، ويفسر في ضوئها خصوصيات الكلمات في التركيب، يقول في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ ٤، يتسائل: كيف قيل: "وإذا جاءتهم الحسنة" بـ "إذا" وتعريف "الحسنة" و ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ بـ "إن" وتنكير السيئة؟ ويجيب "لأن جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه، أما السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا شيء منها، ومنه قول بعضهم: قد عددت أيام البلاء فهل عددت أيام الرخاء؟ "٥.

١ الأنعام: ٣٣، والكشاف ٢/ ١٤.
٢ الحجر: ٢.
٣ الكشاف ٢/ ٣٨٦.
٤ الأعراف: ١٣١.
٥ الكشاف ٢/ ١٠٦.


الصفحة التالية
Icon