الشكر هنا على الإيمان، لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع، فيشكر شكرا مبهما، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به، ثم شكر شكرا مفصلا، فكان الشكر متقدمًا على الإيمان وكأنه أصل التكليف ومداره٢.
"هـ" إحكام ترتيب الجمل بقصد تهذيب النفس:
ففي مواقف تهذيب النفس وإرشادها إلى طريق البر وأخذ الوسائل التي تبعد بها عن مواطن الرذيلة يلمح الزمخشري: ترتيبا بين الجمل يلائم طبيعة النفس ويتسق مع أحوالها حيث تتوالى الأوامر وتتصاعد حسب الأحوال والشئون، يقول في قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ... ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ ٢. ما أحسن ما رتب هذه الأوامر حيث أمر أولا بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية وهو غض البصر، ثم بالنكاح الذي يحصن به الدين، ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام، ثم بالحمل على النفس بالسوء وعزفها عن الطموح إلى الشهرة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه"٣.
"و" إغفال ترتيب الجمل بقصد تصوير اضطراب النفس:
والآيات هنا يختلف ترتيبها في الظاهر موافقة لأحوال النفس، وما يعرض لها في المواقف الصعبة من مشاعر وخواطر، يسأل الزمخشري في قوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ ٤. فهلا قرن الجواب بما هو جواب له وهو قوله: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ

١ الكشاف ١/ ٥٧٥.
٢ النور: ٣٠-٣٣.
٣ الكشاف ٣/ ٦٥.
٤ الزمر: ٥٦-٥٩.


الصفحة التالية
Icon