وقد تعمد القصة إلى ترديد صيغة تصلح خاتمة وبداية لفصل آخر كما في سورة هود، وفيها قصص الأنبياء عليهم السلام، نجد صيغة ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ قد تكررت أربع مرات٣، مرتان موصولة بالواو ومرتان بالفاء، ويسأل الزمخشري: فإن قلت ما بال ساقتي قصة عادة وقصة مدين جاءتا بالواو، والساقتان الوسطيان بالفاء، قلت: وقعت الوسطيان بعد ذكر الوعيد، وذلك قوله: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْح﴾ ﴿ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ فجيء بالفاء الذي هو للتسبب، كما تقول: وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت، وأما الأخريان فلم تقعا بتلك المثابة، وإنما وقعتا مبتدأتين فكان حقهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما، كما تعطف قصة على قصة٢.
وتسجل الواو السؤال والجواب الدائر بين شخصيتين في القصة بما يتناسب وقيمة الحدث، كما في قصة سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ، يقول تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ ٣، يقول الزمخشري: "وأوتينا العلم من كلام سليمان وملئه، فإن قلت: علام عطف هذا الكلام وبم اتصل؟ قلت: لما كان المقام الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به، مقاما أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم وأوتينا العلم نحو أن يقولوا عند قولهم كأنه هو: قد أصابت في قولها وطبقت المفصل، وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله وصحة النبوة بالآيات التي تقدمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها عطفوا على ذلك قولهم -وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها... "٤.
"أ" ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا﴾ -آية ٥٨.
"ب" ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا﴾ -آية ٦٦.
"ج" ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ -آية ٨٢.
"د" ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا﴾ -آية ٩٤.
٢ الكشاف ٢/ ٢٩٠، الساقة: المؤخر من الشيء.
٣ النمل: ٤٢.
٤ الكشاف: ٣/ ١٥٠.