١١- الوصل في مسألة كلامية:
كثر الاختلاف في تفضيل الأنبياء على الملائكة بين المعتزلة والأشاعرة، فذهب جمهور الأشعرية إلى تفضيل الأنبياء، وذهب جماعة المعتزلة إلى تفضيل الملائكة، ودار النقاش حول هذه الآية الكريمة: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ١، ويفسر الزمخشري "ولا من هو أعلى منه قدرا وأعظم منه خطرا وهم الملائكة المقربون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في طبقتهم، فإن قلت: من أين دل قوله: ﴿وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ على أن المعنى ولا من فوقه؟ قلت: من حيث أن علم المعاني٢ لا يقتضي غير ذلك، وذلك أن الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية، فوجب أن يقال لهم لن يترفع عيسى عن العبودية، ولا من هو أرفع منه درجة؟ كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية، فكيف بالمسيح؟... ، ومن كان له ذوق فليذق مع هذه الآية قوله: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى﴾ ٣ حتى يعترف بالفرق البيِّن٤.
ويرد ابن المنير السكندري على قول الزمخشري قائلا: "وقد كثر الاختلاف في تفضيل الأنبياء على الملائكة، فذهب جمهور الأشعرية إلى تفضيل الأنبياء، وذهب القاضي أبو بكر والحليمي وجماعة المعتزلة إلى تفضيل الملائكة -واتخذ المعتزلة هذه الآية عمدتهم في تفضيل الملائكة من حيث الوجه الذي استدل به الزمخشري، ونحن بعون الله نشبع القول في المسألة من حيث الآية فنقول:... أولا... وثانيا... وثالثا....: أنه عطف الملائكة على المسيح بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا... "٥.

١ النساء: ١٧٢.
٢ لاحظ أن السكاكي لم يأت بمصطلح "علم المعاني" ولا بمصطلح "علم البيان"، من عنده ومصدرهما الزمخشري. انظر الكشاف ١/ ١٦ و٢/ ٢٩٠ وانظر البحث ص٩٠.
٣ البقرة: ١٢٠.
٤ الكشاف ١/ ٥٨٥ وما بعدها.
٥ الكشاف هامش ١/ ٥٨٥ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon