وبعد. فقد تحول فن الفصل والوصل على يد الزمخشري إلى ينابيع تفيض معاني ذت أشكال ومضامين وأبعاد لا يغيض لها معين، إن فصلا وإن وصلا.
لم يضف الزمخشري شيئا على حقيقة فن الفصل والوصل، لكنه اجتهد في أن يبرز مكنوناته من خلال وجوده في ثنايا الأسلوب القرآني. وحاول أن يفتق ما يفتق من أكمامه.
فهذا جهد الزمخشري وذاك جهد الجرجاني ثم يأتي ما صنعه السكاكي والقزويني والسبكي ويظل الباب مفتوحا لكل جهد ولكل إضافة.
وجد الزمخشري أن الفصل وصل تقديري، وأن لا بلاغة لوصل دون فصل، فقد يكون فصلا وأبلغ منه الوصل، وأن التناسق الداخلي للجمل أقوى من وصلها برابط، وهذه من اللفتات اللماحة التي لا يصل إليها إلا من كان على شاكلة الزمخشري.
وللفصل أدوات عديدة مثلما للوصل، وله أغراض مختلفة مثلما للوصل، ومن أدق ما وصل إليه الزمخشري كشف سر الصفات المتعددة الموصولة، فهي لبيان مواطن القوة لدى الموصوف، أو للتقرير على أنه قد بلغ الكمال في الصفات التي وصف بها أو أن صفة قد بلغت شهرة صفة أخرى فوصلت بها، ثم يأتي دور الزمخشري في بيان بلاغة ترتيب المفردات الموصولة ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٩]. تقدم ذكر الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق١. كما يقدم الأصل على الفرع أيضا والأشد على الأخف وعلى الممكن كذلك.
وعند وصل الجمل لا يتقيد الزمخشري بقاعدة سوى ما بين يديه من نص نابض يستوجبه ويستخرج طاقاته، فيكون الوصل للتفسير ولتقرير المعنى وللتوكيد، وأيضا يأتي الفصل للتوكيد والإيضاح والتفصيل بعد الإجمال - النص