ثالثا: فن الفصل والوصل
١- مقدمة:
عاش فن الفصل والوصل في وجدان الناطق العربي، الذي احتاج أن يربط بين معنى ومعنى برابط، أو يقطع معنى عن معنى بقاطع، وهو في فصله ووصله يهدف إلى تحقيق غاية جمالية يسموا إليها، لأنه يحرص على أداء فكرته في وضوح لا لبس فيه لتصل إلى المخاطب في جمال وجلاء.
والنصوص تشهد أن الحس العربي المصفى كان يتوقع الوصل حين لا يجد وصلا، ويبحث عن الفصل حين يفتقده، وكان يفاضل بين رابط ورابط حتى يستقيم الشكل مع المضمون، وقصة أبي بكر الذي رفض من الأعرابي قوله "لا عافاك الله" وطالبه بأن يقول "لا وعافاك الله" تدل على ذلك.
وهذا الزبرقان بن بدر يهجوه المخبل، فيتحول الهجاء مدحا بوصل جاء مكان فصل، قال المخبل يهجو الزبرقان بن بدر:

وأبوك بدر كان ينتهس الحصى وأبي ربيعة بن قبال١
فقال الزبرقان: لا بأس، شيخان اشتركا في ضيعة٢.
فقد تنبه الزبرقان إلى أن المخبل وصل بين الأبوين بالعاطف وكان يجب أن يفصل، فانتهزها فرصة ووصم أبا المخبل بأنه كان يشترك في الصناعة التي هجى بها أبوه.
والحسن البصري يفرق بين "الواو" و"ثم" حين قال له رجل "قد تركت ذلك لله ولوجوهكم"، فقال: "لا تقل هكذا، بل قل: لله ثم لوجوهكم، وآجرك الله"٣.
١ انتهاس الحصى: كانتهاس اللحم، وهو أخذه بمقدم الأسنان ونتفه.
٢ العسكري، الصناعتين ٤٦٣ تحقيق البجاوي وأبو الفضل ط الحلبي ١٩٧١م.
٣ الجاحظ، البيان والتبيين ١/ ٢٧٩.


الصفحة التالية
Icon