و"الواو" تجعل الحكم شركة بين الله والناس، و"ثم" تخصصه لله أولا ثم تتركه للناس بعد ذلك. فهي للتراخي الزمني وللتفاوت بين المراتب.
وحين يتحول الأمر إلى قواعد وأحكام وفن له ضوابط، يمتحن العلماء بعضهم بعضا فيه -يروى أن الرشيد قال لأبي يوسف: "أيش تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق طالق طالق؟ قال: واحدة، قال: فإن قال لها: أنت طالق أو طالق أو طالق؟ قال: واحدة، قال: فإن قال لها: أنت طالق ثم طالق ثم طالق؟ قال: واحدة، قال: وإن قال لها: أنت طالق وطالق وطالق؟ قال: واحدة. وكان الكسائي حاضرا، فقال: يا أمير المؤمنين: أخطأ يعقوب في اثنين وأصاب في اثنين، أما قوله: أنت طالق طالق طالق فواحدة لأن الباقيين توكيد، وأما قوله: أنت طالق أو طالق أو طالق، فهذا شاك، فوقعت الأولى التي يتعين بها، أما قوله: أنت طالق ثم طالق ثم طالق فثلاث لأنه انسق، وكذلك: طالق وطالق وطالق١.
والقرآن الكريم الذي خاطب هذه الطبيعة العربية كان يفصل بين المعاني ويربط بينها، وكان يلون العبارة مزاوجا بين فصل ووصل ثقة بفهم المخاطب أو مراعاة منه لمقتضى الحال. ولم يتقيد في فصله بطرح الواو، بل استخدم معه أدوات أخرى، كما لم يقتصر في وصله على الواو أو على حروف العطف بل استخدم معها أدوات الربط الأخرى حسبما اقتضت الحاجة.
وهو في كل هذا يرمي إلى إبراز جمال المعنى لتحقيق "كمال الفائدة" فحين يصف مشاهد الجنة أو النار، أو يصور الثواب والعقاب، أو يتحدث عن الأخيار أو الفجار، أو غير ذلك من معان، لا يعرضها عرضا مسطحا، إنما يتخذ الوسائل التي تبرز كل طاقاتها من إثارة الخيال والوجدان والمنطق. ومن قدرة على الإحاطة والشمول، حتى إذا وصلت إلى المخاطب جعلته جزءا متمما لها بما أوحت إليه وبما أثرت فيه، وبما صورت له، وبما أمتعته وأفادته.