الأقل١، وقدم الأقوى أثرا في حياة الناس٢، وقدم الأسرع ورودا في النفس على غيره٣. بل، عمد إلى الترتيب لتهذيب النفس٤، والأروع والأعجب أن يغفل الترتيب بقصد تصوير اضطراب النفس أو تصوير سوء طويتها٥.
٥- تقطيع الموضوع إلى أجزاء موصولة:
حينما يكون الموضوع المقصود التعبير عنه متعدد المراحل، أو متغير الأشكال أو متشعب الأجزاء، فإنه يحتاج إلى عدة جمل أو مفردات لبسطه والإحاطة به، وبطبيعة الحال ستترابط هذه الجمل برباط معنوي واحد، وهو وحدة الموضوع الذي تدور حوله -ومن الممكن أن تترابط كل جملتين برباط لفظي ليكونا وحدة لها خصائصها الذاتية ومرتبطة بالمعنى العام في الوقت نفسه، مثلها مثل الجداول، كل جدول له طبيعته وخصائصه ولكنه عضو في المجرى الكبير.
وترى هذه الظاهرة في القرآن الكريم، يعمد أحيانا إلى الفكرة الرئيسية لموضوع ما، ويضعها في شكل جملة قصيرة أو طويلة، ثم ينثرها في أجزاء موصولة مختلفة القرب أو البعد من الفكرة العامة -والقرآن في هذا لا يلتزم وتيرة واحدة في هذا العرض، فقد يجيء بالفكرة الرئيسية أولا ينثرها إلى أجزائها، وقد يقدم الأجزاء ثم يأتي بالفكرة من بعد،... وهكذا.

١ كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٣٢]، والكشاف ٣/ ٣٠٩.
٢ كما في قوله تعالى: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ٤٩]، والكشاف ٣/ ٩٥١.
٣ كما في قوله تعالى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾ [النساء: ١٤٧]، والكشاف ١/ ٥٧٥.
٤ كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٠-٣٣]، والكشاف ٣/ ٦٥.
٥ كما في قوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٥٦-٦٩]، والكشاف ٣/ ٤٠٥، أما سوء الطوية فكما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً... ﴾ [البقرة: ٦٧-٧١]، والكشاف ١/ ١٩٠.


الصفحة التالية
Icon