وقد يقصد التعبير به لأنه أقوى من الإثبات الصريح وأبلغ١ نحو قوله تعالى على لسان مريم: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ ٢، و ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ أبلغ من "وأنا عزبة" لم أتزوج -وهي كناية رقيقة تتناسب مع أدب القرآن الكريم. كناية عن صفة بها ما بها من الدقة والوضوح والهيئة النابضة بالحياة٣ ما لا تستطيع تصويره لفظة "عزبة" التي لم ترد في القرآن مذكرة ولا مؤنثة.
وهذا ما ينطبق على الهيئات المنفصلة أو المتصلة التي أثبتت بطريق النفي، وصورت بطريق المخالفة اسمية كانت أو فعلية - فلننظر إلى قوله تعالى: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ ٤ بدلا من "العروة المتينة"، أو قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ ٥ بدلا من "هو ذكر للعالمين" -أما الفعلية الماضوية المتصلة فمثل قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ ٦، والمنفصلة نحو ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ ٧، والمضارعية المتصلة نحو ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ ٨، والمنفصلة ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ ٩.

١ انظر د/ أحمد ماهر البقري، أساليب النفي في القرآن، ص١٦ وما بعدها ط دار المعارف، ١٩٨٠م.
٢ مريم: ٢٠.
٣ الكشاف ٢/ ٥٠٥.
٤ البقرة: ٢٥٦.
٥ القلم: ٥١، ٥٢.
٦ الأعراف: ٤٣.
٧ الزخرف: ٥٢.
٨ البقرة: ٢٨٣.
٩ آل عمران: ١٧٤.


الصفحة التالية
Icon