فالجملة الحالية المنفية، أو الهيئة المثبتة بطريق المخالفة قد حوت ما حوته الجملة المثبتة من عمق واتساع وحركة مع انتقال من المباشرة الصريحة إلى غير المباشرة بما في ذلك من تلوين للتعبير وإضفاء جمال.
هذا، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الجملة الاسمية بطبيعتها تفيد الثبات بينما تفيد الفعلية التجدد والاطراد، أحسسنا بأهمية دور الفصل والوصل في تصوير الهيئة حادثة أو غير حادثة، ثابتة أو متجددة، هادئة أو ثائرة، متحدة أو مغايرة.
٨- تناسب الإيقاع الصوتي مع الإيقاع الدلالي:
يرى ابن خلدون أن الأذن هي الوسيلة الطبيعية لكل ثقافة لغوية، بل هي خير وسيلة لإتقان اللغة وإجادتها، و"السمع أبو الملكات اللسانية"١.
ويحدثنا من كتبوا في علم النفس الموسيقي عن كيفية شعور المرء بنعم الكلام، فيقولون: إن هناك ميلا غرزيا في كل كتلة من عدة مقاطع كشبه الفقرات القصار أو العبارات الصغيرة، فقد نسمع في عشر ثوان ما يكاد يبلغ خمسين مقطعا صوتيا٢ تسمعها الأذن فتلتقطها كتلا من المقاطع تطول أو تقصر، فإذا ترددت في أواخر هذه الكتل الصوتية مقاطع بعينها شعرنا بسهولة ترديدها وأحسنا بغبطة وسرور حين سماعها وبعث هذا فينا الرضى والاطمئنان٣.
٢ المقاطع الصوتية عند علماء اللغة المحدثين غيرها عند علماء العروض، فهي عند المحدثين كما يلي مقطع قصير "صوت ساكن + حركة قصيرة، كَ كُ كِ"، مقطع متوسط "صوت ساكن + حركة قصيرة + صوت ساكن، كَمْ كُمْ كِمْ، أو صوت ساكن + حركة كا كو كي"، ومقطع طويل "صوت ساكن + حركة طويلة + صوت ساكن، نار نور نير"، أو "صوت ساكن + حركة + صوتان ساكنان، بحر درج فكر"، د. إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر ١٤٣، الطبعة الأولى.
٣ عن عباس العقاد، اللغة الشاعرة ٣١ ط دار غريب.