وقد نزل القرآن الكريم في أمة تسمع أكثر مما تكتب، فلم يكن غريبا أن يهتم نص كتابها بالصورة الصوتية المسموعة، فيأتي وفيه من الأسجاع ذلك القدر الكثير الذي يتلى عليهم، ويرتل ترتيلا يسمعون فيه نمطا من الموسيقى لا عهد لهم به، وهم أمة الشعر والموسيقى.
وهنا يبرز الوقف والابتداء ثانية، الوقف التام المختار، والكافي الجائز، والحسن المفهوم، والقبيح المتروك١.
والمسألة..
أينبغي في الوقف اعتبار المعنى، وإن لم يكن رأس آية، وهو مذهب أكثر القراء -أم نقف على رأس الآية اقتضى المعنى الوقف أم لم يقتضه؟ اختلف العلماء ورجحوا الوقف على رءوس الآي عملا بالسنة النبوية الشريفة، فإن النبي الكريم ﷺ كان يقف عند كل آية، فيقول "الحمد لله رب العالمين" ويقف، ثم يقول "الرحمن الرحيم" ويقف، وهكذا، روته أم سلمة،... ، وأكثر أواخر الآي في القرآن تام أو كاف، وأكثر ذلك في السور القصار. ذهب هذا المذهب كل من الأخفش على بن سليمان، والحافظ أبي بكر البيهقي والإمام الزركشي وغيرهم٢.
إذًا، فرأس الآية هو نهاية المقاطع الصوتية التي تسمى آية، وهي الفاصلة٣، وهي أيضا الوحدة القياسية التي سنتخذها لبيان تناسب الإيقاع الموسيقي مع مضمون السورة، فيتكرر متصلا أو يتكرر منفصلا.
انظر إلى هذا الإيقاع السريع الذي يصور يوم القيامة ومسميا إياها بـ "الواقعة"، وفي كلمات مختصرة مدوية مع فاصلة على وزن فاعل منتهية بتاء
٢ نفسه ١/ ٣٥٠ وما بعدها.
٣ محمد الحسناوي، الفاصلة في القرآن، فصل "الإيقاع" ٢٠١، وما بعدها، ط دار الأصيل، دمشق.