تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} ١، يقول القاضي: "اعلم أن الأولى في معنى قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ أن يكون عطفا على ما تقدم، ودالا على أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله بإعلام الله تعالى إياهم، ونصبه الأدلة على ذلك، فيكون قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ﴾ دلالة على أنهم برسوخهم في العلم يجمعون بين الاعتراف والإقرار، وبين المعرفة، لأنه تعالى مدحهم بذلك ولا يتكامل مدحهم إلا بضم الإيمان والتصديق وإظهار ذلك، إلى المعرفة بتأويله"٢.
هذا لو كان واو "الراسخون" للعطف، ولكن كبيرا من شيوخ المعتزلة رأى أنها للاستئناف، ولو كانت عطفا لشارك الراسخون ربهم -سبحانه- في العلم بالتأويل. فيجيب القاضي: فإن قال "قائل" أليس قد قال كبير من شيوخكم: إن قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ يقتضي تمام الكلام، وأنه تعالى المتفرد بعلم تأويله، ثم استأنف قوله تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا﴾، ولذلك علق بذكرهم خبرا، ولو كان عطف على ما تقدم لم يصح ذلك فيه، أفما يدلكم ذلك على بطلان ما قدمتم، قيل له: إن من يذهب في تأويله الآية إلى هذه الطريقة "يقصد ذلك المعتزلي" لا يمنع من أن يعلم العلماء المراد بالمتشابه، لكنه يقول: إنه أراد بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ على نحو قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ ٣، أراد بالتأويل المتأول، وهو عز وجل المتفرد بالعلم بالمتأول وأوقاته وأحواله"٤.
وبعد، فهذا ما تمكنت من جمعه من نصوص تبعثرت في ثنايا البحوث المختلفة بعضها في الفصل والآخر في الوصل، ولم أقصد أن أقول: إن الجرجاني تأثر بها
٢ عبد الجبار، المغني ١٦/ ٣٧٨ تحقيق أمين الخولي، ط وزارة الثقافة ١٩٦٠م.
٣ الأعراف: ٥٣.
٤ المغني ١٦/ ٣٧٩.