وإلى ملاءمته الكلام قبله، وحسن تشبهه بهن وإلى حسن تعطف الكلام الأول عليه ثم انظر إذا تركت "إن" فقلت:
فغنها وهي لك الفداء... غناء الإبل الحداء
كيف تكون الصورة؟ وكيف ينبو أحد الكلامين عن الآخر حتى تجتلب لهما الفاء، فتقول:
فغنها وهي لك الفداء... فغناء الإبل الحداء
وهذا الضرب كثير في التنزيل جدًّا١.
واعلم أن الذي قلنا في "إن"... لا يطرد في كل شيء وكل موضع بل يكون في موضع دون موضع، وذلك فيما لا يحصى٢.

١ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج: ١]، وقوله عز اسمه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧]، وقوله سبحانه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] ن ومن أبين ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧، والمؤمنون: ٢٧]، وقد يتكرر في الآية الواحدة، كقوله عز وجل: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الدلائل: ٣١٦.
٢ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ ذاك أن قبله ﴿إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ [الدخان: ٥٠، ٥٢]، ومعلوم أنك لو قلت: "إن هذا ما كنتم به تمترون فالمتقون في جنات وعيون" لم يكن كلاما، وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٠ و١٠١]، فالذين سبقت لهم منا الحسنى" لم تجد لإدخالك "الفاء" فيه وجها - وكذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ اسم "إن" وما بعده معطوف عليه، وقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ جملة في موضع الخبر، ودخول الفاء فيها محال، لأنه الخبر لا يعطف على المبتدأ - ومثله سواء ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾. الدلائل ٢٣١-٢٣٣.


الصفحة التالية
Icon