وكذلك يأتي الوصل لاستحالة الفصل:
وذلك إذا قلت "جاءني وغلامه يسعى بين يديه"، و"رأيت زيدا وسيفه على كتفه". يقول الجرجاني - كان المعنى على أنك بدأت فأثبت المجيء والرؤية ثم استأنفت خبرا، وابتدأت إثباتا ثانيا لسعي الغلام بين يديه، ولكون السيف على كتفه، ولما كان المعنى على استئناف الإثبات احتيج إلى ما يربط الجملة الثانية بالأولى، فجيء بالواو، كما جيء بها في قولك: زيد منطلق وعمرو ذاهب... فإن قلت: قد علمنا أن علة دخول "الواو" على الجملة أن تستأنف الإثبات ولا تصل المعنى الثاني بالأول في إثبات واحد، ولا تنزل الجملة منزلة المفرد، ولكن بقي أن تعلم... ، وما الذي منع في قولك: جاءني زيد وهو يسرع أو هو مسرع أن يدخل الإسراع في صلة المجيء، ويضامه في الإثبات... فالجواب: أن السبب في ذلك أن المعنى في قولك: جاءني زيد وهو يسرع، على استئناف إثبات للسرعة، ولم يكن ذلك في "جاءني زيد يسرع"، وذلك أنك إذا أعدت ذكر زيد، فجئت بضميره المنفصل لمرفوع، كان بمنزلة أن تعيد اسمه صريحا فتقول "جاءني زيد وزيد يسرع" في أنك لا تجد سبيلا إلى أن تدخل "يسرع" حتى صلة المجيء وتضمه إليه في الإثبات، وذلك أن إعادتك ذكر زيد لا يكون حتى تقصد استئناف الخبر عنه بأنه يسرع، وحتى تبتدئ إثباتا للسرعة، لأنك إن لم تفعل ذلك تركت المبتدأ -الذي هو ضمير "زيد" أو اسمه الظاهر- بمضيعة، وجعلته لغوا في البين "أي: بينهما"، وجرى مجرى أن تقول: "جاءني زيد وعمرو يسرع أمامه"، ثم تزعم أنك لم تستأنف كلاما، ولم تبتدئ للسرعة إثباتا، وأن حال "يسرع" ها هنا حاله إذا قلت: "جاءني زيد يسرع"، فجعلت السرعة له، ولم تذكر "عمرا"، وذلك محال١.