٢- الفصل وصل تقديري:
يلفتنا الزمخشري إلى أن الفصل وصل تقديري خفي، ففي قوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ ١ فإدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل، ونزعها وصل خفي تقديري بالاستئناف، الذي هو جواب لسؤال مقدر، كأنهم قالوا: "فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت؟ " فقال: ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ فوصل تارة بالفاء٢ وتارة بالاستئناف للتفنن في البلاغة، كما هو عادة بلغاء العرب، وأقوى الوصلين وأبلغهما: الاستئناف، وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه٣.
أولا: من بلاغة الفصل:
١- قد يكون الفصل أبلغ من الوصل:
فالجملة التي تتوارد عل سبيل البيان، لا حاجة فيها إلى ذكر لفظ يدل على الربط، لأنها ما دامت كذلك فهي شيء واحد، أو جسم واحد، فإذا دخلها حرف وصل كان غريبا وشاذا، فآية الكرسي٤ قد ترتبت الجمل فيها من غير حرف عطف، فما من جملة إلا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه، والبيان متحد بالمبين، فلو توسط بينهما عاطف لكان كما تقول العرب بين العصا ولحائها، فالأولى: بيان لقيامه بتدبير الخلق، وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه، والثانية: لكونه مالكا لما يدبره، والثالثة: لكبرياء شأنه، والرابعة:
٢ يقصد إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ -١٣٥.
٣ الكشاف ٢/ ٢٩٠.
٤ البقرة: ٢٥٥ ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾.