الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ١: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ بدل من ﴿الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ وهو في حكم تكرير العامل كأنه قيل: "اهدنا الصراط المستقيم اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم"، كما قال ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ﴾، وفائدة البدل هنا، التوكيد، لما فيه من التثنية والتكرير والإشعار بأن الطريق المستقيم بيانه وتفسيره صراط المسلمين، ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده، كما تقول: هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم؟ فلان، فيكون ذلك في أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك: هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل، لأنك ثنيت ذكره مجملا أولا ومفصلا ثانيا، وأوقعت "فلانا" تفسيرا وإيضاحا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم والفضل، فكأنك قلت: من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان، فهو المشخص المعين لاجتماعهما غير مدافع ولا منازع٣.
"ج" وبالتوكيد:
ومن دواعي التوكيد التي ذكرها الزمخشري، ذلك الذي يكون لتقرير المعنى في نفس المخاطب وتثبيته، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا﴾ ٤، يقول: تكرير الضمير بعد إيقاعه اسما لإن تأكيد على تأكيد لمعنى اختصاص الله بالتنزيل ليتقرر في نفس رسول الله ﷺ أنه إذا كان هو المنزل لم يكن تنزيله على أي وجه نزل إلا حكمة وصوابا"٥.
ومثله قوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ ٦، يقول الزمخشري: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ توكيد لـ ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ لأن قوله: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ معناه الثبات على اليهودية، وقوله: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ

١ الفاتحة: ٦، ٧.
٢ الأعراف: ٧٥ {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾.
٣ الكشاف ١/ ٦٨، ٦٩.
٤ الإنسان ٢٣.
٥ الكشاف ٤/ ٢٠٠.
٦ البقرة: ١٤.


الصفحة التالية
Icon