السبب في إسقاط التسمية من أولها:
قال ابن عباس: سألت عليا رضي الله عنه، لم لم يكتب في براءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟ قال: لأن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أمان، وبراءة نزلت بالسيف ونبذ العهود، وليس فيها أمان «١».
وقال سفيان بن عيينة: إنما لم تكتب في صدر هذه السورة البسملة لأن التسمية رحمة، والرحمة أمان، وهذه السورة نزلت بالمنافقين وبالسيف، ولا أمان للمنافقين «٢».
قال القرطبي نقلا عن القشيري: والصحيح أن التسمية لم تكتب لأن جبريل عليه السّلام ما نزل بها في هذه السورة. فلم يكتبها الصحابة في المصحف الإمام، مقتدين في ذلك بأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، كما قال الترمذي.
مناسبتها لما قبلها:
هناك شبه بين سورة براءة وسورة الأنفال قبلها، فهي كالمتممة لها في وضع أصول العلاقات الدولية الخارجية والداخلية، وأحكام السلم والحرب، وأحوال المؤمنين الصادقين والكفار والمنافقين، وأحكام المعاهدات والمواثيق، إلا أن في الأنفال بيان العهود والوفاء بها وتقديسها، وفي براءة نبذ العهود، وذكر في السورتين صدّ المشركين عن المسجد الحرام، والترغيب في إنفاق المال في سبيل الله، وتفصيل الكلام في قتال المشركين وأهل الكتاب وبيان أوضاع المنافقين.
وبالرغم من هذا الشبه الموضوعي في السورتين، وأنهما تدعيان القرينتين، وأنهما نزلتا في القتال، فإنهما في الأصح سورتان مستقلتان، فليست براءة جزءا

(١) تفسير الرازي: ١٥/ ٢١٦
(٢) تفسير القرطبي: ٨/ ٦٢- ٦٣


الصفحة التالية
Icon