ولما كان استعجال العذاب وقيام القيامة تكذيبا للنبي واستهزاء به وبوعده، وهو كفر، قرن تعالى النهي عن الاستعجال بإثبات التنزيه له عن الشرك والشركاء، وهو رأس الكفر.
ثم أجاب الله تعالى عن شبهة ثالثة تتعلق بتكذيب النبوة والنبي، فقال:
يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ أي ينزل تعالى الملائكة بالوحي على من يريد من عباده الذين اصطفاهم واختارهم للرسالة. وعبر عن الوحي بالروح لأنه يحيي موات القلوب كما تحيي الروح موات الأبدان، كما قال تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ، لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [الأنعام ٦/ ١٢٢]. واستعمال الروح بمعنى الوحي شائع في القرآن، كما في قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا، ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا [الشورى ٤٢/ ٥٢].
وقوله: عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ هم الأنبياء، كما قال تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام ٦/ ١٢٤] وقال: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج ٢٢/ ٧٥] وقال: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ [غافر ٤٠/ ١٥]. وهذا رد لقولهم: نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف ٤٣/ ٣١].
وقوله: مِنْ أَمْرِهِ يعني أن التنزيل والنزول للوحي لا يكونان إلا بأمره تعالى، كما حكى عن الملائكة: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [مريم ١٩/ ٦٤] فلا يستطيع الملائكة فعل شيء إلا بأمر الله تعالى وإذنه.
ودلت الآية على أن الوحي من الله إلى أنبيائه لا يكون إلا بوساطة الملائكة.