رميم، فقال: أترى يحيي الله هذا بعد ما قد رمّ؟ وفي هذا أيضا نزل أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [يس ٣٦/ ٧٧].
ثم امتن الله تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج، فقال: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ.. أي وخلق الله لكم الأنعام ذات المصالح والمنافع المختلفة لكم، من أصواف وأوبار وأشعار للبس والأثاث (أو الفراش) ومن ألبان للشرب، ونسل للأكل.
ولكم في هذه الأنعام جمال، أي زينة حين الرواح: وهو وقت رجوعها عشاء من المراعي، ووقت السّروح: وهو وقت الغدوة والذهاب من مراحها إلى مسارحها أو المرعى. وخص تعالى هذين الوقتين بالذكر لاهتمام الرعاة بهما حين الذهاب والإياب، وفي ذلك مفاخرة بالقطيع، وقدم الرّواح على السّروح لأن الفائدة فيه أتم، لمجيئها شبعانة، فتدر الحليب، وتملأ النفس سرورا، والعين متعة، فهي عنصر للغذاء وأداة إنتاج في الاقتصاد.
وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة والتركيب والصورة.
وكذلك هي أداة عمل وركوب وحمل أمتعة، فقال تعالى: وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ.. أي وهي أيضا تحمل أمتعتكم الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها من بلد إلى آخر لا تبلغونه إلا بمشقة شديدة، مثل الحج والعمرة والجهاد والتجارة ونحو ذلك من أنواع الاستعمال ركوبا وتحميلا، كما قال تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ، وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [المؤمنون ٢٣/ ٢١- ٢٢] وقال سبحانه: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها، وَمِنْها تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ، وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ، وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [غافر ٤٠/ ٧٩- ٨٠].
وتظل الأنعام ثروة اقتصادية في كل زمان ومكان، ونعمة كبري، لذا ختم


الصفحة التالية
Icon