فإن الدين لا يؤخذ إلا به، وفيه دليل على أن مالا دليل عليه من الديانات مردود، وإن التقليد فيه غير جائز فَمَنْ أَظْلَمُ لا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك إليه تعالى.
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ خاطب بعض الفتية بعضهم الآخر بذلك وَما يَعْبُدُونَ عطف على الضمير المنصوب في الفعل المتقدم، أي ولأجل أنكم اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلا الله، فإنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون الأصنام كسائر المشركين يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ يبسط الرزق لكم، ويوسع عليكم من رحمته في الدارين وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ما ترتفقون به أي تنتفعون، من غداء وعشاء. وقد جزموا بذلك لقوة ثقتهم بفضل الله تعالى.
تَتَزاوَرُ بتخفيف الزاي والتشديد أي تميل عنه، ولا يقع شعاعها عليهم، فيؤذيهم لأن الكهف كان جنوبيا، أو لأن الله تعالى زورها عنه ذاتَ الْيَمِينِ جهة اليمين تَقْرِضُهُمْ تتركهم وتتجاوز عنهم، فلا تصيبهم البتة فَجْوَةٍ متسع من الكهف أي في وسطه، ينالهم برد الريح ونسيمها ذلِكَ المذكور وهو شأنهم أو تحول الشمس عنهم مِنْ آياتِ اللَّهِ دلائل قدرته مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً أي من يهد الله بالتوفيق، فهو المهتدي الذي أصاب الفلاح، والمراد به إما الثناء عليهم، أو التنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة، ولكن المنتفع بها من وفقه الله تعالى للتأمل فيها والاستبصار بها وَمَنْ يُضْلِلْ ومن يخذله، فلن تجد له من يليه ويرشده.
وبعبارة أخرى: من اهتدى بآيات الله واختار الإيمان بالدليل، فقد هداه الله ووفقه لاختياره، ومن لم يأخذ بأسباب الهدى فقد ضل وانحرف، ولن تجد له من يرشده ويهديه.
وَتَحْسَبُهُمْ لو رأيتهم أَيْقاظاً أي منتبهين لأن أعينهم منفتحة رُقُودٌ نيام، جمع راقد وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ لئلا تأكل الأرض لحومهم وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ يديه واسم كلبهم: قطمير بِالْوَصِيدِ بفناء الكهف، وقيل: بباب الكهف، وكان يتقلب في النوم واليقظة مثلهم لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ فنظرت إليهم مِنْهُمْ رُعْباً منعهم الله بالرعب من دخول أحد عليهم. والرعب: الخوف الذي يملأ الصدر. عن معاوية رضي الله عنه: أنه غزا الروم، فمرّ بالكهف، فقال: لو كشف لنا عن هؤلاء، فنظرنا إليهم، فقال له ابن عباس رضي الله عنه:
ليس لك ذلك، وقد منع الله تعالى من هو خير منك، فقال: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً فلم يسمع، وبعث ناسا، فلما دخلوا، جاءت ريح، فأحرقتهم.
وَكَذلِكَ كما فعلنا بهم ما ذكرنا بَعَثْناهُمْ أيقظناهم لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ عن حالهم ومدة لبثهم قالُوا: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لأنهم دخلوا عند طلوع الشمس، وبعثوا عند غروبها، فظنوا أنه غروب يوم الدخول، فقولهم مبني على غالب ظنهم لأن النائم لا يحصي مدة لبثه، لذا أحالوا العلم إلى الله تعالى، فقالوا: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ويجوز أن يكون ذلك قول