والإكراه ممنوعة، والمراد الهداية إلى الإيمان والطاعة بالاختيار، حتى يصح التكليف، فمن شاء الله آمن وأطاع اختيارا، لا جبرا، قال الله تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير ٨١/ ٢٨] وقال: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا [الدهر ٧٦/ ٢٩] ثم عقّب هاتين الآيتين بقوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الدهر ٧٦/ ٣٠] فوقع إيمان المؤمنين بمشيئتهم، ونفى أن يشاءوا إلا ان يشاء الله.
وتوسط أهل السنة فلم يقولوا بالإجبار كالمجبرة، ولا بالاختيار المطلق كالقدرية، وخير الأمور أوساطها، وقالوا: نحن نفرق بين ما اضطررنا إليه وبين ما اخترناه، كالتفرقة بين حركة الارتعاش غير الإرادية وحركة الاختيار، وسموا هذه المنزلة الوسطى كسبا، وأخذوا هذه التسمية من كتاب الله العزيز، وهو قوله سبحانه: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة ٢/ ٢٨٦].
٦- يقال للمجرمين يوم القيامة على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا العذاب بسبب تكذيبكم رسل الله، وإنكاركم البعث، وترككم العمل له كالناسين، والله يعاملكم معاملة الناسي والمنسيين لأن الجزاء من جنس العمل، وذوقوا العذاب المخلّد، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم بسبب أعمالكم في الدنيا من المعاصي.
صفة المؤمنين في الدنيا وجزاؤهم عند ربهم في الآخرة
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٥ الى ١٧]
إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)