لا يعلمون الغيب كما زعموا، ولو صحّ ما يزعمونه من أنهم يعلمون الغيب، لعلموا بموته وهو أمامهم، ولم يلبثوا بعد موته مدة طويلة في العمل الشاق الذي سخرهم فيه، ظانين أنه حيّ. أما المدة التي مكث فيها سليمان متكئا على عصاه فلم يرد خبر صحيح في شأنها، ونترك الأمر في تقديرها لله عزّ وجلّ، وربما يستأنس
بالحديث المرفوع الذي رواه إبراهيم بن طهمان عن ابن عباس وفيه: «أن سليمان نحت عصا الخرنوبة، فتوكأ عليها حولا لا يعلمون، فسقطت، فعلم الإنس أن الجنّ لا يعلمون الغيب، فنظروا مقدار ذلك، فوجدوه سنة» «١».
قال الرازي: وقوله: ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ دليل على أن المؤمنين من الجن لم يكونوا في التسخير لأن المؤمن لا يكون في زمان النبي في العذاب المهين «٢».
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
١- امتنّ الله تعالى على سليمان عليه السلام بما أنعم عليه من النعم الجليلة أهمها ثلاث: تسخير الريح، وإذابة النحاس، وتسخير الجنّ للعمل بأمره.
أما تسخير الريح فكانت تحمل بساطه تنقله من مكان إلى آخر، فتقطع مسافة في نصف يوم تقدر بمسيرة شهر للمسافر العادي، وهذا معنى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ.
٢- والنعمة الثانية هي إذابة النحاس في يده.

(١) تفسير القرطبي: ١٤/ ٢٧٩
(٢) تفسير الرازي: ٢٥/ ٢٥٠


الصفحة التالية
Icon