عَظِيمٌ، وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ [النمل ٢٧/ ٢٢- ٢٤].
فأرسل الله عليهم سيل العرم، أي المياه الكثيرة الغزيرة، بأن تحطم سد مأرب، فملأ الماء الوادي، وغرّق البساتين الخضراء ثم يبست، ودفن البيوت، ولم يبق منهم إلا شراذم قليلة تفرقت في البلاد، وأعطوا بدل تلك الجنان والبساتين المثمرة الأنيقة النضرة بساتين لا خير فيها ولا فائدة منها، وإنما أشجار ذات ثمر مرّ هي الأراك، وأثل هو الطرفاء، والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل، وهو شجر النبق.
قال القشيري: وأشجار البوادي لا تسمى جنة وبستانا، ولكن لما وقعت الثانية في مقابلة الأولى أطلق لفظ الجنة، وهو كقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى ٤٢/ ٤٠].
وسبب هذا العقاب كما قال تعالى:
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا، وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ أي إن ذلك التبديل من الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظلال الوارفة والأنهار الجارية إلى أشجار ذات أشواك وثمار مرة، كان بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق، وعدولهم عنه إلى الباطل، لقد عاقبناهم بكفرهم، ولا يعاقب الله إلا المبالغ في كفران النعم، والكفر بالرسل.
وبعد تعداد نعم الله على السابئيين في مساكنهم، ذكر تعالى باقة أخرى من النعم أثناء تنقلهم في البلاد، ومتاجرتهم مع بلاد الشام، فقال:
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً أي وجعلنا بين قراهم وقرى الشام التي باركنا فيها بالمياه والأشجار والخيرات الكثيرة قرى مرتفعة