عليهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟ فتجيبهم الأعضاء معتذرين: لقد أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء من مخلوقاته، فإنه كما أنطق الألسن في الدنيا، فكذلك أنطقنا في الآخرة، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح، كما قال تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [يس ٣٦/ ٦٥].
وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي من قدر على خلقكم وإنشائكم في ابتداء الأمر، قدر على إعادتكم ورجوعكم إليه، فإليه المصير بعد الموت، فيحاسب ويجازي كل نفس بما كسبت. وهذا إما تتمة كلام الجلود، أو من كلام الله تعالى.
أخرج مسلم في صحيحة والبزار وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنا عند رسول الله ص، فضحك، فقال: هل تدرون ممّا أضحك؟
قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول- أي العبد لربه-: ألم تجرني من الظلم «١»
؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، قال: يقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه (فمه) فيقال لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بعدا لكنّ وسحقا، فعنكنّ كنت أناضل».
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ هذا إما من كلام الجلود أو من كلام الله سبحانه كسابقه أو من كلام الملائكة، أي ما كنتم تتسترون وتستخفون حين فعل الأعمال القبيحة ومباشرتكم الفواحش، حذرا أو مخافة من شهادة الجوارح عليكم، بل كنتم تجاهرون بالكفر والمعاصي.

(١) هذه رواية مسلم،
ورواية البزار: «يقول: أي ربي، أليس وعدتني ألا تظلمني» ؟.


الصفحة التالية
Icon