ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفي من جوارحه عند مباشرة المعصية، كان معنى الاستخفاء هنا ترك المعصية، خوفا من هذه الشهادة.
وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ أي ولكنكم ظننتم ظنا مخطئا أن الله حال ارتكابكم المعاصي لا يعلم كثيرا مما تعملون من المعاصي، فاجترأتم على فعلها.
وفي الآية إيماء إلى أنه ينبغي للمؤمن أن يفكر دائما بوجود رقيب عليه.
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي إن ظنكم بأن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، وهو ظن فاسد، جرّأكم على المعصية، فتسارعتم فيها، وذلك أهلككم وطرحكم في النار، فصرتم من الخاسرين، إذ جعلتم ما هو سبب للسعادة سببا للشقاوة.
أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ص: «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن بالله الظن، فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله، فقال الله تعالى: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ.
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ، وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أي فإن يصبروا لم ينفعهم الصبر، أو لم يصبروا، هم في النار، لا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها، فهي مأواهم ومحل استقرارهم، وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذارا عن ذنوبهم، فما لهم أعذار، ولا يقبل منهم الاعتذار والاسترضاء، لأنهم فارقوا الدنيا التي هي دار العمل والتكليف،
قال عليه الصلاة والسلام فيما ذكره ابن الأثير وغيره عن ابن عباس: «ولا بعد الموت من مستعتب»
أي ليس بعد الموت من معذرة أو استرضاء، لأن الآخرة دار جزاء، لا دار عمل.
ثم أبان الله تعالى سبب بقائهم في الكفر، فقال: