روح الله، بالغ القنوط من رحمة الله، حتى يظن أنه لا يتهيأ له بعد هذا خير، أو يظن عدم زوال ما به من المكروه.
والآية تصوّر طبع الإنسان، وإن ظهر ذلك كثيرا في الكافر، كما قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يوسف ١٢/ ٨٧] وقد جعل بعض المفسرين الآية خاصة بالكافر، وقال: هذه صفة الكافر، بدليل الآية المتقدمة: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ.... والظاهر إرادة الجنس، فكثير من المسلمين يصدر منهم هذا التغير والتبدل، كما تقدم بيانه.
ونظير الآية قوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً، ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ، إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ، وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ: ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ، إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود ١١/ ٩- ١١].
ثم ذكر الله تعالى خصالا ثلاثا أقبح مما سبق، فقال:
١- وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ: هذا لِي أي ولئن آتيناه خيرا بتفريج كربه من بعد شدة أصابته، كغنى بعد فقر، وصحة أو عافية بعد مرض، وجاه بعد ذل، ليقولن: هذا شيء أستحقه على الله لرضاه بعملي وجهدي وخبرتي، متناسبا فضل الله وإحسانه، جاهلا أن الله يبتلي عباده بالخير والشر، ليتبين له الشاكر من الجاحد، والصابر من الجزع. وهذا دليل على أن ذلك اليائس القانط لو عاودته النعمة، لعاد إلى الجحود والكفر.
٢- وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أي وما أعتقد أن القيامة ستقوم، كما يخبرنا به الأنبياء، فلا رجعة ولا حساب ولا عقاب على ذنب في الدنيا. ولأجل أنه رزق نعمة يبطر ويفخر ويكفر، كما قال تعالى: كَلَّا، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق ٩٦/ ٦- ٧].