يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ أي يشمل الناس ويحيط بهم من كل جانب، فيقولون: هذا عذاب أليم جدا، أو يقول اللَّه لهم ذلك توبيخا وتقريعا.
وحينئذ يستغيث الناس بالله قائلين:
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ، إِنَّا مُؤْمِنُونَ أي يقولون: يا ربّنا اكشف عنّا عذابك، إنّا مصدّقون بالله ورسوله، أو إن كشفت عنّا هذا العذاب أسلمنا وآمنا، والمراد بالعذاب في الماضي الجوع الذي كان بسببه رؤية ما يشبه الدّخان.
روي أن المشركين أتوا النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقالوا: «إن كشف اللَّه عنا هذا العذاب أسلمنا».
وأما في المستقبل فهو عذاب أشدّ يحدث قبيل الساعة، ويكون من أشراطها وعلاماتها.
وهذا كقوله عزّ وجلّ: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ، فَقالُوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا، وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام ٦/ ٢٧]، وقوله جلّ وعلا: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ، فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا: رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ، وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ، أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ [إبراهيم ١٤/ ٤٤].
ثم نفى اللَّه صدقهم في الوعد بالإيمان قائلا:
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى، وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ، وَقالُوا: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ أي من أين وكيف لهم التّذكر والاتّعاظ والوفاء بالوعد بالإيمان بعد كشف العذاب؟ وكان قد جاءهم رسول مبين أدلّة الإيمان، ظاهر الآيات والمعجزات، ثم أعرض هؤلاء الكفار عنه، وقالوا عنه: إنما يعلمه القرآن بشر، وقالوا أيضا: إنه مجنون لا عقل له، وهذا يدلّ على أنّ الآيات نزلت في قريش،