خصص بعض المفسرين جواز ضرب الرقاب والإثخان (الإكثار من القتل في الحرب) بالمشركين أهل الأوثان، أو بمن لا عهد لهم ولا ذمة. والصحيح أن الآية عامة، والتخصيص لا دليل عليه، لعموم الآية: فَضَرْبَ الرِّقابِ.
وهذه الآية متفقة مع آية الأنفال: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [٦٧] غير أن آية الأنفال لم يذكر فيها ما يكون بعد الإثخان، والآية التي هنا فيها بيان تقرير مصير الأسرى وتخيير الإمام فيهم بين أحد أمرين: المنّ أو الفداء.
أما قتل الأسير لضرورة أو مصلحة حربية معينة في حالات خاصة وكذا استرقاقه، فمأخوذ من السّنة النّبوية، فيصير الإمام مخيّرا في الأسرى بين أربعة أمور: القتل، والاسترقاق، والمنّ، والفداء.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: «بعث النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه في سارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل ما شئت، حتى كان الغد، فقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم:
ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي ما قلت لك، قال: أطلقوا ثمامة.
فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال:
أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه، واللَّه ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ، واللَّه ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدين إليّ، واللَّه ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فقد أصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمره أن يعتمر، فلما قدم