وقبل أن تنزل الجمعة، قالت الأنصار: لليهود يوم يجتمعون فيه بكل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلم فلنجعل لنا يوما نجتمع فيه، فنذكر الله تعالى، ونشكره، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم العروبة، وكانوا يسمون الجمعة بذلك، فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ ركعتين، وذكرهم، فسموه (الجمعة) حين اجتمعوا إليه. فذبح لهم شاة، فتغذوا وتعشوا منها، وذلك لعامتهم، فأنزل الله تعالى، في ذلك بعد: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ الآية «١».
وقيل: إن أول من جمع بالناس مصعب بن عمير، وجمع بين الروايتين بأن جمع أسعد كان بغير أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وجمع مصعب كان بأمره.
والصحيح أن أول جمعة كانت هي صلاة النبي ﷺ بعد قدومه إلى المدينة بأربعة أيام، حيث أدركه وقتها في بني سالم بن عوف، فصلّاها في بطن واد لهم، حيث خطب صلى الله عليه وسلم، وصلى بالناس.
أخرج ابن ماجه عن جابر أن رسول الله ﷺ خطب، فقال: «إن الله افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، في عامي هذا، إلى يوم القيامة، فمن تركها استخفافا بها، أو جحودا بها، فلا جمع الله شمله، ولا بارك في أمره، ألا ولا صلاة له، ولا زكاة له، ولا حج له، ولا صوم له، ولا برّ له حتى يتوب، فمن تاب تاب الله عليه».
قال الألوسي: فإن الظاهر أن هذه الخطبة كانت في المدينة، بل ظاهر الخبر أنها بعد الهجرة بكثير، إذ ظاهر
قوله عليه الصلاة والسلام فيه: «لا حج له»
أن الحج كان مفروضا إذ ذاك، والأصح أنه فرض في السنة السادسة، فإما أن يقدح في صحة الحديث، وإما أن يقال: مفاده افتراض الجمعة إلى يوم القيامة، أي بهذا القيد «٢».

(١) وروي ذلك أيضا في سنن أبي داود وابن ماجه وابن حبان والبيهقي.
(٢) تفسير القرطبي: ١٨/ ٩٨، تفسير الألوسي: ٢٨/ ١٠٠


الصفحة التالية
Icon