٨- الصحيح أن السعي إلى ذكر الله واجب، وذكر الله يشمل الصلاة والخطبة والمواعظ، ورأى الحنفية أنه لا يشترط في الخطبة اشتمالها على ما يسمى خطبة عرفا، لأنه ورد الذكر في الآية مطلقا غير محدود، ومن غير تفصيل بين كون الذكر طويلا أو قصيرا، فكان الشرط هو الذكر مطلقا، وما ورد من الآثار مشتملا على بيان كيفية الخطبة يدل على السنية أو الوجوب، ولا يصلح دليلا على أنه لا يجوز الصلاة إلا بالخطبة.
ورأى العلماء الآخرون أن الخطبة واجبة، لأنها تحرّم البيع، ولولا وجوبها ما حرّمته، لأن المستحب لا يحرّم المباح. واشترط الشافعية أن يأتي الخطيب بخطبتين بشروط خاصة، بآثار وردت في ذلك.
وأجمع العلماء على اشتراط العدد في صلاة الجمعة، لأنها ما سميت جمعة إلا لما فيها من الاجتماع. واختلفوا في أقل عدد تنعقد به الجمعة، على أقوال كثيرة، بلغت ثلاثة عشر قولا. منها: أن يكون العدد في رأي أبي حنيفة ومحمد ثلاثة رجال سوى الإمام، ولو كانوا مسافرين أو مرضى، لأن أقل الجمع الصحيح إنما هو الثلاث، والجماعة شرط مستقل في الجمعة، لقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ والجمعة مشتقة من الجماعة، ولا بدّ لهم من خطيب.
واشترط المالكية حضور اثني عشر رجلا للصلاة والخطبة، على أن يكون العدد من أهل البلد، وأن يبقوا مع الإمام من أول الخطبة حتى السلام، لأنه لم يبق مع النبي ﷺ من الصحابة الذين خرجوا للهو أو للتجارة إلا اثنا عشر رجلا.
وقال الشافعية والحنابلة: تقام الجمعة بحضور أربعين فأكثر بالإمام من أهل القرية المكلفين الأحرار الذكور المستوطنين، لا مسافرين، لكن يجوز كون الإمام مسافرا إن زاد العدد عن الأربعين، لما روى البيهقي عن ابن مسعود أنه


الصفحة التالية
Icon