وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً، لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي وأوحي إلي أنه لو استقام الجن والإنس على طريقة الإسلام لأسقيناهم ماء كثيرا، ولآتيناهم خيرا كثيرا واسعا، لنختبرهم أي لنعاملهم معاملة المختبر، فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم، فإن أطاعوا ربّهم أثبناهم، وإن عصوه عاقبناهم في الآخرة، وسلبناهم النعمة، أو أمهلناهم ثم أهلكناهم، كما أبانت الآية التالية:
وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً أي ومن يعرض عن القرآن أو عن الموعظة، فلا يأتمر بالأوامر ولا ينتهي عن النواهي، يدخله عذابا شاقا صعبا لا راحة فيه.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- تغير الحال بعد البعثة النبوية عن الجن، فإنهم كعادتهم طلبوا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها، فوجدوها ملئت حفظة، أي ملائكة، ورموا بالشهب: وهي الكواكب المحرقة لهم، منعا من استراق السمع.
قال الرازي: والأقرب إلى الصواب أن هذه الشهب كانت موجودة قبل المبعث، إلا أنها زيدت بعد المبعث، وجعلت أكمل وأقوى، وهذا هو الذي يدل عليه لفظ القرآن لأنه قال: فَوَجَدْناها مُلِئَتْ وهذا يدل على أن الحادث هو الملء والكثرة، وكذلك قوله: نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ أي كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب، والآن ملئت المقاعد كلها «١».
٢- لم يفهم الجن القصد من تشديد الحراسة على أخبار السماء، فهل أراد الله بهذا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذابا، أو يرسل إليهم رسولا؟ وهل المقصود من المنع من الاستراق هو إرادة الشر بأهل الأرض، أم الصلاح والخير؟!