يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ، وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا أي إن ذلك العذاب الذي يعذب به الكفار هو في يوم تضطرب في الأرض والجبال وتتزلزل بمن عليها، والرجفة: الزلزلة الشديدة، وتصير الجبال كالكثيب المهيل، أي الرمل المجتمع السائل الذي يسيح فيه الإنسان والحيوان، بعد ما كانت حجارة صماء، ثم تنسف نسفا، فلا يبقى منها شيء إلا ذهب. والرجفة: الزلزلة والزعزعة الشديدة، والمهيل: هو الذي إذا وطئته القدم زلّ ما تحتها، وإذا وصلت أسفله انهال.
وبعد تخويف أهل مكة وأمثالهم بأهوال القيامة، هددهم وخوفهم تعالى بأهوال الدنيا التي تعرضت لها الأمم المكذبة المتقدمة، فقال:
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ، كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ، فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا أي يخاطب الله تعالى كفار قريش، والمراد سائر الناس، فيقول لهم: إنا أرسلنا إليكم رسولا هو محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم وبما يصدر عنكم من إجابة وامتناع، وطاعة وعصيان، كما أرسلنا موسى عليه السلام إلى الطاغية فرعون يدعوه إلى الحق والإيمان، فعصى فرعون الرسول المرسل إليه، وكذّبه ولم يؤمن بما جاء به، فأخذناه أخذا شديدا ثقيلا غليظا، أي عاقبناه عقوبة شديدة وأهلكناه ومن معه بالغرق في البحر، فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول، فيصيبكم ما أصاب فرعون حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأنتم أولى بالهلاك والدمار إن كذبتم رسولكم الذي هو أشرف وأعظم من موسى بن عمران عليه السلام. وإنما عرّف كلمة الرسول ثانيا لأنه ينصرف إلى المعهود السابق في الذكر.
ثم عاد الله تعالى إلى تخويفهم بعذاب الآخرة ذاكرا هو له من وجهين، فقال:
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً، السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ،


الصفحة التالية
Icon