الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ الْبَتَّةَ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ، لَا بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ، وَلَا بِدَلَالَةِ التَّضَمُّنِ، وَلَا بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ ; لِأَنَّ لَفْظَ الْمَتْنِ أَنَّ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ وَاقِعَةٌ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَادِّعَاءُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ كَمَا تَرَى ; إِذْ لَمْ يَدُلَّ كَوْنُهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَلَى كَوْنِهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ بِنَقْلٍ وَلَا عَقْلٍ وَلَا لُغَةٍ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، بَلِ الْحَدِيثُ أَظْهَرُ فِي كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، إِذْ لَوْ كَانَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ لَقَالَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَتَرَكَ ذِكْرَ الْمَجْلِسِ ; إِذْ لَا دَاعِيَ لِتَرْكِ الْأَخَصِّ وَالتَّعْبِيرِ بِالْأَعَمِّ بِلَا مُوجِبٍ كَمَا تَرَى.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الدَّلِيلُ يُقْدَحُ فِيهِ بِالْقَادِحِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ، فَيُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّ مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَافْهَمْ. وَسَتَرَى تَمَامَ هَذَا الْمَبْحَثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ طَاوُسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
الثَّانِي: أَنَّ دَاوُدَ بْنَ الْحُصَيْنِ الَّذِي هُوَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عِكْرِمَةَ لَيْسَ بِثِقَةٍ فِي عِكْرِمَةَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّقْرِيبِ» : دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ إِلَّا فِي عِكْرِمَةَ، وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ اهـ. وَإِذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ فِي عِكْرِمَةَ كَانَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ ثِقَةٍ. مَعَ أَنَّهُ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ.
الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «فَتْحِ الْبَارِي» فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ: الثَّالِثُ: أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَجَّحَ أَنَّ رُكَانَةَ إِنَّمَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ كَمَا أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ طَرِيقِ آلِ بَيْتِ رُكَانَةَ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ قَوِيٌّ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ رُوَاتِهِ حَمَلَ الْبَتَّةَ عَلَى الثَّلَاثِ، فَقَالَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَبِهَذِهِ النُّكْتَةِ يَقِفُ الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ الْمَذْكُورِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلِيلَ فِيهِ أَصْلًا عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَبِمَا ذَكَرْنَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ الْمَذْكُورِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي مِنَ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ جَعَلَ الثَّلَاثَ وَاحِدَةً: هُوَ


الصفحة التالية
Icon