لَوْلَا فَوَارِسُ مِنْ نُعْمٍ وَأُسْرَتِهِمْ يَوْمَ الصُّلَيْفَاءِ لَمْ يُوفُونَ بِالْجَارِ
فَهُوَ نَادِرٌ حَمْلًا لِلَمْ عَلَى أُخْتِهَا لَا النَّافِيَةِ أَوْ مَا النَّافِيَةِ، وَقِيلَ هُوَ لُغَةُ قَوْمٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَكَذَلِكَ بَقَاءُ النُّونِ مَعَ حَرْفِ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ:
أَنْ تَقْرَآنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا مِنِّي السَّلَامَ وَأَلَّا تُشْعِرَا
أَحَدًا فَهُوَ لُغَةُ قَوْمٍ حَمَلُوا أَنِ الْمَصْدَرِيَّةَ عَلَى أُخْتِهَا مَا الْمَصْدَرِيَّةِ فِي عَدَمِ النَّصْبِ بِهَا، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلًا عَلَى مَا أُخْتِهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلًا
وَلَا يُنَافِي كَوْنُ اسْتِفْهَامِ إِبْرَاهِيمَ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ: قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [١٥ ٥٦]. لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِفْهَامَهُ لَيْسَ اسْتِفْهَامَ مُنْكِرٍ وَلَا قَانِطٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ.
بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ نَبِيَّهُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنَّهُ لَا يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - إِلَّا الضَّالُّونَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَبَيِّنٌ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ أَيْضًا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لِبَنِيهِ فِي قَوْلِهِ: يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [١٢ ٨٧] قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ الْآيَةَ. وَرَوْحُ اللَّهِ رَحْمَتُهُ وَفَرَجُهُ وَتَنْفِيسُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ.
أَشَارَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ قَوْمُ لُوطٍ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فَكَذَّبُوهُ، وَوَجْهُ إِشَارَتِهِ تَعَالَى لِذَلِكَ اسْتِثْنَاءُ لُوطٍ وَأَهْلِهِ غَيْرَ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَا امْرَأَتَهُ الْآيَةَ [١٥ ٥٩ - ٦٠] وَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ قَوْمُ لُوطٍ بِقَوْلِهِ فِي هُودٍ فِي الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا: قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ الْآيَةَ [١١ ٧٠] وَصَرَّحَ فِي الذَّارِيَاتِ بِأَنَّهُمْ أُرْسِلُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لِيُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ فِي قَوْلِهِ: قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ [٥١ ٣٢ - ٣٣] وَصَرَّحَ فِي الْعَنْكَبُوتِ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُمْ مُهْلِكُوهُمْ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ، وَمُنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ


الصفحة التالية
Icon