[٥٠]، وَقَالَ: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ الْآيَةَ [٦٢ ٢٦، ٢٧]، وَقَالَ: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ الْآيَةَ [٢٧ ٦٥]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قِيلَ: الْمَالُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةُ وُرُودِ الْخَيْرِ بِمَعْنَى الْمَالِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [١٠٠ ٨]، وَقَوْلِهِ: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [٢ ١٨٠]، وَقَوْلِهِ: قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ الْآيَةَ [٢ ٢١٥]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ فِيهَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَكْثِرٌ جِدًّا مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ ; لِأَنَّ عَمَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ دِيمَةً، وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا الْآيَةَ.
ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ آدَمَ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، أَيْ: لِيَأْلَفَهَا وَيَطْمَئِنَّ بِهَا، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ جَعَلَ أَزْوَاجَ ذُرِّيَّتِهِ كَذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [٣٠ ٢١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَالْقُرْآنُ يَشْهَدُ لِأَحَدِهِمَا:
الْأَوَّلُ: أَنَّ حَوَّاءَ كَانَتْ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَحَمَلَتْ، فَجَاءَهَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لَهَا سَمِّي هَذَا الْوَلَدَ عَبْدَ الْحَارِثِ فَإِنَّهُ يَعِيشُ، وَالْحَارِثُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّيْطَانِ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ فَقَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا [٧ ١٩٠] أَيْ وَلَدًا إِنْسَانًا ذَكَرًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ بِتَسْمِيَتِهِ عَبْدَ الْحَارِثِ، وَقَدْ جَاءَ بِنَحْوِ هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَهُوَ مَعْلُولٌ كَمَا أَوْضَحَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ لَمَّا آتَى آدَمَ وَحَوَّاءَ صَالَحًا كَفَرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا، وَأَسْنَدَ فِعْلَ الذُّرِّيَّةِ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ ; لِأَنَّهُمَا أَصْلٌ لِذُرِّيَّتِهِمَا كَمَا قَالَ: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ [٧ ١١]، أَيْ بِتَصْوِيرِنَا لِأَبِيكُمْ آدَمَ لِأَنَّهُ أَصْلُهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَهُ:


الصفحة التالية
Icon