وَشَرِكَةُ الْعُقُودِ تَنْقَسِمُ إِلَى شَرِكَةِ مُفَاوَضَةٍ، وَشَرِكَةِ عِنَانٍ، وَشَرِكَةِ وُجُوهٍ، وَشَرِكَةِ أَبْدَانٍ، وَشَرِكَةِ مُضَارَبَةٍ، وَقَدْ تَتَدَاخَلُ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ فَيَجْتَمِعُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ.
أَمَّا شَرِكَةُ الْأَمْلَاكِ فَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [٤ ١٢]، وَلَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا أَنْوَاعُ شَرِكَةِ الْعُقُودِ فَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هُنَا مَعَانِيَهَا وَكَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، وَأَمْثِلَةً لِلْجَائِزِ مِنْهَا تَنْبِيهًا بِهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَمَا وَرَدَ مِنَ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ.
اعْلَمْ أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّفْوِيضِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفَوِّضُ أَمْرَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ إِلَى الْآخَرِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ الْآيَةَ [٤٠ ٤٤].
وَقِيلَ: أَصْلُهَا مِنَ الْمُسَاوَاةِ، لِاسْتِوَاءِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا فِي التَّصَرُّفِ وَالضَّمَانِ، وَعَلَى هَذَا فَهِيَ مِنَ الْفَوْضَى بِمَعْنَى التَّسَاوِي، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَفْوَهِ الْأَوْدِيِّ:

لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ وَلَا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
إِذَا تَوَلَّى سَرَاةُ النَّاسِ أَمْرَهُمُ نَمَا عَلَى ذَاكَ أَمْرُ الْقَوْمِ وَازْدَادُوا
فَقَوْلُهُ: " لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى " أَيْ لَا تَصْلُحُ أُمُورُهُمْ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ فَوْضَى، أَيْ مُتَسَاوِينَ لَا أَشْرَافَ لَهُمْ يَأْمُرُونَهُمْ وَيَنْهَوْنَهُمْ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ، هَذَا هُوَ أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ.
وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصْلِ اشْتِقَاقِهَا اللُّغَوِيِّ، فَقِيلَ: أَصْلُهَا مِنْ عَنَّ الْأَمْرُ يَعِنُّ - بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ - عَنًّا وَعُنُونًا: إِذَا عَرَضَ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ عَذَارَى دَوَارٍ فِي مُلَاءٍ مُذَيَّلِ
قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ فِي اللِّسَانِ: وَشِرْكُ الْعِنَانِ وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ: شَرِكَةٌ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِهِمَا، كَأَنَّهُ عَنَّ لَهُمَا شَيْءٌ فَاشْتَرَيَاهُ وَاشْتَرَكَا فِيهِ، وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ:
فَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقَاهَا وَفِي أَحْسَابِهَا شِرْكَ الْعِنَانِ
بِمَا وَلَدَتْ نِسَاءُ بَنِي هِلَالٍ وَمَا وَلَدَتْ نِسَاءُ بَنِي أَبَانِ
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ مَعْرُوفَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ


الصفحة التالية
Icon