وَقَوْلُهُ: سَوَّاكَ، أَيْ: خَلَقَكَ مُسْتَوِيَ الْأَجْزَاءِ، مُعْتَدِلَ الْقَامَةِ وَالْخَلْقِ، صَحِيحَ الْأَعْضَاءِ فِي أَكْمَلِ صُورَةٍ، وَأَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [٩٥ ٤]، وَقَوْلِهِ: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [٤٠ ٦٤]، وَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [٨٢ ٦]، وَقَوْلِهِ «رَجُلًا» أَيْ: ذَكَرًا بَالِغًا مَبْلَغَ الرِّجَالِ، وَرُبَّمَا قَالَتِ الْعَرَبُ لِلْمَرْأَةِ: رَجُلَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كُلُّ جَارٍ ظَلَّ مُغْتَبِطًا | غَيْرَ جِيرَانِ بَنِي جَبَلَهْ |
مَزَّقُوا ثَوْبَ فَتَاتِهِمْ | لَمْ يُرَاعُوا حُرْمَةَ الرَّجُلَهْ |
وَلَا يَكْشِفُ الْغَمَّاءَ إِلَّا ابْنُ حُرَّةٍ | يَرَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا |
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا [١٨ ٣٨]، بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ قَالَ لِصَاحِبِهِ الْكَافِرِ: أَنْتَ كَافِرٌ؟ ! لَكِنْ أَنَا لَسْتُ بِكَافِرٍ! بَلْ مُخْلِصٌ عِبَادَتِيَ لِرَبِّيَ الَّذِي خَلَقَنِي ; أَيْ: لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مِنِّي أَنْ أَعْبُدَهُ ; لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ مُحْتَاجٌ مِثْلِي إِلَى خَالِقٍ يَخْلُقُهُ، تَلْزَمُهُ عِبَادَةُ خَالِقِهِ كَمَا تَلْزَمُنِي.
وَنَظِيرُ قَوْلِ هَذَا الْمُؤْمِنِ مَا قَدَّمْنَا عَنِ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ الْمَذْكُورِ فِي «يس» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي [٣٦ ٢٢]، أَيْ: أَبْدَعِنِي وَخَلَقَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَمَا قَدَّمْنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ.. الْآيَةَ [٢٦ ٧٧ - ٧٨]، وَقَوْلِهِ: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي الْآيَةَ [٤٣ ٢٦ - ٢٧].