بِذَلِكَ الْحَمِيمِ إِذَا سُقُوهُ فَوَصَلَ إِلَى بُطُونِهِمْ كُلُّ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ الشَّحْمِ وَالْأَمْعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [٤٧ ١٥] وَالْعَرَبُ تَقُولُ: صَهَرْتُ الشَّيْءَ فَانْصَهَرَ، فَهُوَ صَهِيرٌ؛ أَيْ: أَذَبْتُهُ فَذَابَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ يَصِفُ تَغْذِيَةَ قَطَاةٍ لِفَرْخِهَا فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ:
تُرْوَى لَقًى أُلْقِيَ فِي صَفْصَفٍ | تَصْهَرُهُ الشَّمْسُ فَمَا يَنْصَهِرُ |
وَقَوْلُهُ: وَالْجُلُودُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى «مَا» مِنْ قَوْلِهِ: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ [٢٢ ٢٠] الَّتِي هِيَ نَائِبُ فَاعِلِ «يُصْهَرُ» وَعَلَى هَذَا الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ مِنَ الْآيَةِ فَذَلِكَ الْحَمِيمُ يُذِيبُ جُلُودَهُمْ، كَمَا يُذِيبُ مَا فِي بُطُونِهِمْ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ.
إِذِ الْمَعْنَى: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ، وَتُصْهَرُ بِهِ الْجُلُودُ؛ أَيْ: جُلُودُهُمْ، فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ قَامَتَا مَقَامَ الْإِضَافَةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَالْجُلُودُ مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى تُصْهَرُ، وَتَقْدِيرُهُ: وَتُحْرَقُ بِهِ الْجُلُودُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي تَقْدِيرِ الْعَامِلِ الْمَحْذُوفِ الرَّافِعِ الْبَاقِي مَعْمُولُهُ مَرْفُوعًا بَعْدَ الْوَاوِ، قَوْلُ لَبِيدٍ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
فَعَلَا فُرُوعُ الْأَيْهَقَانِ وَأَطْفَلَتْ بِالْجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا وَنَعَامُهَا
يَعْنِي: وَبَاضَ نَعَامُهَا ; لِأَنَّ النَّعَامَةَ لَا تَلِدُ الطِّفْلَ، وَإِنَّمَا تَبِيضُ، بِخِلَافِ الظَّبْيَةِ فَهِيَ تَلِدُ الطِّفْلَ، وَمِثَالُهُ فِي الْمَنْصُوبِ قَوْلُ الْآخَرِ:
إِذَا مَا الْغَانِيَاتِ بَرَزْنَ يَوْمًا | وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا |
تَرَى مِنَّا الْأُيُورَ إِذَا رَأَوْهَا | قِيامًا رَاكِعِينَ وَسَاجِدِينَا |
وَقَوْلُهُ:
وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى | مُتَقَلِّدًا سيفًا وَرُمْحَا |
وَقَوْلُ الْآخَرِ: