أَوْ الِاعْتِرَافُ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، بِأَنَّ الْحَبَلَ الَّذِي هُوَ الْحَمْلُ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا كَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحَبَلَ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا، عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رَأَيْتَ، وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الزِّنَا وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الْحَبَلِ، وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَجَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِذَا عُرِفَتْ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَهَذِهِ أَدِلَّتُهُمْ.
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْحَمْلِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ، فَقَدِ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ مِنْ عُمَرَ بِأَنَّ الْحَبَلَ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا، كَالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : إِنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ: بِوُجُوبِ الْحَدِّ وَثُبُوتِ الزِّنَا بِالْحَمْلِ، لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالرَّجْمُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا كَانَ مُحْصَنًا، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ، وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ أُوتِيَ بِامْرَأَةٍ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ أَنْ تُرْجَمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، قَالَ اللَّهُ: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [٤٦ ١٥]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرْجُمُهَا بِحَمْلِهَا وَعَنْ عُمَرَ نَحْوُ هَذَا، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ: زِنَا سِرٍّ، وَزِنَا عَلَانِيَةٍ، فَزِنَا السِّرِّ: أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ، فَيَكُونُ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ: أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ، فَيَكُونُ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، وَهَذَا قَوْلُ سَادَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنَ «الْمُغْنِي».
وَانْظُرْ أَسَانِيدَ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنِ الصَّحَابَةِ، هَذَا هُوَ حَاصِلُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْحَمْلِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْحَمْلَ وَحْدَهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا، وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْبَيِّنَةِ أَوِ الْإِقْرَارِ، فَقَدْ قَالَ فِي «الْمُغْنِي» : حُجَّتُهُمْ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ وَطْءِ إِكْرَاهٍ أَوْ شُبْهَةٍ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ بِأَنْ يَدْخُلَ مَاءُ الرَّجُلِ فِي فَرْجِهَا، إِمَّا بِفِعْلِهَا، أَوْ فِعْلِ غَيْرِهَا، وَلِهَذَا تُصُوِّرَ حَمْلُ الْبِكْرِ فَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ فَرَوَى سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ،


الصفحة التالية
Icon