مَا يُنَفِّرُ أُولِي الْأَلْبَابِ عَمَّا كَرِهَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِيمَا يَرْضَاهُ لَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ. وَأَهْلُ الْبَيْتِ نُصِبَ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ عَلَى الْمَدْحِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
تَنْبِيهٌ.
اعْلَمْ أَنَّهُ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَفِي اللُّغَةِ إِتْيَانُ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ مَنْصُوبًا بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ بَعْدَ فِعْلِ الْإِرَادَةِ ; كَقَوْلِهِ هُنَا: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [٤ ٢٦]، وَقَوْلِهِ: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ الْآيَةَ [٦١ ٨]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

أُرِيدُ لِأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا تُمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبِيلِ
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي اللَّامِ الْمَذْكُورَةِ أَقْوَالٌ، مِنْهَا: أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ بِمَعْنَى أَنْ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَامُ كَيْ، وَمَفْعُولُ الْإِرَادَةِ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يَأْمُرَكُمْ وَيَنْهَاكُمْ، لِأَجْلِ أَنْ يُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ، وَالرِّجْسُ كُلُّ مُسْتَقْذِرٍ تَعَافُهُ النُّفُوسُ، وَمِنْ أَقْذَرِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ.
قَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا بَيَانُ الْإِجْمَالِ الْوَاقِعِ بِسَبَبِ الْإِبْهَامِ فِي صِلَةِ مَوْصُولٍ، وَذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [٣٣ ٣٧]، لِأَنَّ جُمْلَةَ: اللَّهُ مُبْدِيهِ صِلَةُ الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ مَا. وَقَدْ قُلْنَا فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ: فَإِنَّهُ هُنَا أَبْهَمَ هَذَا الَّذِي أَخْفَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ وَأَبْدَاهُ اللَّهُ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زَوَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَيْثُ أَوْحَى إِلَيْهِ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ; لِأَنَّ زَوَاجَهُ إِيَّاهَا هُوَ الَّذِي أَبْدَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [٣٣ ٣٧]، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِجَنَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّ مَا أَخْفَاهُ فِي نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبْدَاهُ اللَّهُ وُقُوعُ


الصفحة التالية
Icon