وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مِمَّا لَا يَنْبَغِي الْخِلَافُ فِيهِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يُعَنَّفُ فِيهِ مَنْ فَعَلَهُ وَلَا مَنْ تَرَكَهُ.
وَهَذَا كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَتَرْكِهِ، وَكَالْخِلَافِ فِي أَنْوَاعِ التَّشَهُّدَاتِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَأَنْوَاعِ النُّسُكِ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ.
تَنْبِيهٌ
قَدْ جَاءَ فِي التَّثْوِيبِ بَعْضُ الْآثَارِ عَنْ عُمَرَ وَبَعْضِ الْأُمَرَاءِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، كَمَا فِي قِصَّةِ بِلَالٍ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ أَوْ غَيْرِهِ يَكُونُ تَكْرَارًا لَمَّا سَبَقَ أَنْ جَاءَ عَنْ بِلَالٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ فِيهَا هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْفَجْرِ أَوْ عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يَكُونُ الْإِمَامُ نَائِمًا فِيهَا؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْفَجْرِ وَفِي الْأَذَانِ لَا عِنْدَ بَابِ الْأَمِيرِ أَوِ الْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ أَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِيمَنْ ثَوَّبَ فِي أَذَانِ الظُّهْرِ أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِدْعَةً وَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ.
كَيْفِيَّةُ أَدَاءِ الْأَذَانِ
يُؤَدَّى الْأَذَانُ بِتَرَسُّلٍ وَتَمَهُّلٍ ; لِأَنَّهُ إِعْلَانٌ لِلْبَعِيدِ، وَالْإِقَامَةُ حَدْرًا ; لِأَنَّهَا لِلْحَاضِرِ الْقَرِيبِ، أَمَّا النُّطْقُ بِالْأَذَانِ فَيَكُونُ جَزْمًا غَيْرَ مُعْرَبٍ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، أَنَّهُ حَالُ تَرَسُّلِهِ وَدَرْجِهِ أَيْ: فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، لَا يَصِلُ الْكَلَامَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، بَلْ جَزْمًا. وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ، قَالَ: وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى إِجْمَاعِهِمْ.
حُكْمُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الْأَذَانِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؟ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَهَلْ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ أَوْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ؟ اهـ.
فَتَرَاهُ يَدُورُ حُكْمُهُ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ، اخْتِلَافُهُمْ فِي وِجْهَةِ النَّظَرِ فِي الْغَرَضِ مِنَ الْأَذَانِ هَلْ هُوَ مِنْ حَقِّ الْوَقْتِ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِهِ أَوْ مِنْ حَقِّ الصَّلَاةِ، كَذِكْرٍ مِنْ أَذْكَارِهَا أَوْ هُوَ شِعَارٌ لِلْمُسْلِمِينَ يُمَيِّزُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ؟
وَسَنُجْمِلُ أَقْوَالَ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَأْخَذِ كُلٍّ مِنْهُمْ ثُمَّ بَيَانِ الرَّاجِحِ


الصفحة التالية
Icon