لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ أَسْفَارِهِ فِي غَزَوَاتِهِ وَفِي حَجِّهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ لَا شَكَّ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا.
وَلِابْنِ تَيْمِيَةَ تَقْسِيمٌ نَحْوُ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ: وَلِلْأَذَانِ عِدَّةُ جَوَانِبَ تَبَعٌ لِذَلِكَ مِنْهَا فِي حَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلْأُولَى مِنْهُمَا، وَالِاكْتِفَاءِ بِالْإِقَامَةِ لِلثَّانِيَةِ، كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِكُلِّ صَلَاةٍ.
وَمِنْهَا أَنْ لَا أَذَانَ عَلَى النِّسَاءِ أَيْ لَا وُجُوبَ، وَإِنْ أَرَدْنَ الْفَضِيلَةَ أَتَيْنَ بِهِ سِرًّا، وَقَدْ عَقَدَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَابًا قَالَ فِيهِ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ، وَسَاقَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، قَالَ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ، ثُمَّ سَاقَ عَنْ أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَرْفُوعًا: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ، وَلَا جُمُعَةٌ وَلَا اغْتِسَالُ جُمُعَةٍ، وَلَا تَقَدَّمُهُنَّ امْرَأَةٌ، وَلَكِنْ تَقُومُ فِي وَسَطِهِنَّ» هَكَذَا رَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَيْلِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ: وَرُوِّينَاهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ.
تَعَدُّدُ الْمُؤَذِّنِينَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ
أَوَّلًا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُمُعَةِ، صُوَرُ التَّعَدُّدِ لَهَا فِيهِ صُورَتَانِ، صُورَةُ تَعَدُّدِ الْأَذَانِ أَيْ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَ الْوَقْتِ، وَصُورَةُ تَعَدُّدِ الْمُؤَذِّنِينَ بَعْدَ الْوَقْتِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَمَّا تَعَدُّدُ الْأَذَانِ فَقَدْ بَوَّبَ لَهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ قَالَ: بَابُ الْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَسَاقَ حَدِيثَ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ فَفِيهِ الْأَذَانُ أَوَّلًا لِلْوَقْتِ كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَفِيهِ أَذَانٌ قَبْلَ الْوَقْتِ زَادَهُ عُثْمَانُ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ، وَهُوَ الْمَعْنَى الثَّالِثُ، وَالِاثْنَانِ الْآخَرَانِ هُمَا الْأَذَانُ لِلْوَقْتِ، وَالْإِقَامَةُ الْمَوْجُودَانِ مِنْ قَبْلُ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الشَّرْحِ تَنْبِيهًا قَالَ فِيهِ: وَرُدَّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْخَبَرَ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الَّذِي زَادَ الْأَذَانَ.


الصفحة التالية
Icon