قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً يُؤَذِّنُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، ثُمَّ زَادَ عُثْمَانُ أَذَانًا آخَرَ بِالزَّوْرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا وُجُودُ تَعَدُّدِ الْمُؤَذِّنِينَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَكَانُوا زَمَنَ عُمَرَ ثَلَاثَةً وَكَانُوا يُؤَذِّنُونَ مُتَفَرِّقِينَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا ضِمْنَ كَلَامِهِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ تَحْتَ عُنْوَانِ «الْمُؤَذِّنُ الْوَاحِدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» رِوَايَةً عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ وَكَانُوا ثَلَاثَةً وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِذَا فَرَغَ الثَّالِثُ قَامَ فَخَطَبَ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِنَّهُ دَعْوَى تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَمْ يَرِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا مِنْ طَرِيقٍ مُتَّصِلَةٍ يَثْبُتُ مِثْلُهَا.
ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي تَعْلِيقٍ لِسَمَاحَةِ رَئِيسِ الْجَامِعَةِ فِي الْحَاشِيَةِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي مَخْطُوطَةِ الرِّيَاضِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ: وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ أَوِ الْمُزَنِيِّ فَإِنَّ عَزْوَهُ إِلَى الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ وَابْنُ حَجَرٍ لَمْ يُعَلِّقْ عَلَى وُجُودِ هَذَا الْأَثَرِ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَالنِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَكُونُ الْمُؤَذِّنُونَ يَسْتَفْتِحُونَ الْأَذَانَ فَوْقَ الْمَنَارَةِ جُمْلَةً حِينِ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ ; لِيَسْمَعَ النَّاسُ، فَيَأْتُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَ الْإِمَامُ بِهِمْ، فَهَذَا أَيْضًا نَصُّ الشَّافِعِيِّ يَنْقُلُهُ النَّوَوِيُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْمُؤَذِّنِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ جُمْلَةً، وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَبِهَذَا تَظْهَرُ مَشْرُوعِيَّةُ تَعَدُّدِ الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ، قَبْلَ وَبَعْدَ الْوَقْتِ مَنْ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَفِي تَوَفُّرِ الصَّحَابَةِ الْمَرْضِيِّينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ فِي وَفْرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَمَا ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ تَعَدُّدِ الْأَذَانِ بَعْدَ الْوَقْتِ مَنْ فِعْلِ الْخُلَفَاءِ أَيْضًا وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ مَعَ أَثَرٍ فِيهِ نِقَاشٌ مَرْفُوعٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَذَانِ لِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَكَالْآتِي:
أَوَّلًا: تَعَدُّدُ الْأَذَانِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَطْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْقَرَائِنِ الْمُتَعَدِّدَةِ الَّتِي مِنْهَا: «يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ


الصفحة التالية
Icon