ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَيْ إِنَّ أَذَانَ بِلَالٍ قَبْلَ الْفَجْرِ يُحِلُّ الطَّعَامَ وَأَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ حِينَ يَحْرُمُ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الزَّمَنِ، فَفِي بَعْضِ الرِوَايَاتِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:» لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ: يُنَادِي بِلَيْلٍ ; لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ «.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: يُرِيدُ الْقَائِمَ الْمُتَهَجِّدَ إِلَى رَاحَتِهِ ; لِيَقُومَ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ نَشِيطًا أَوْ يَتَسَحَّرُ، إِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى الصِّيَامِ، وَيُوقِظَ النَّائِمَ ; لِيَتَأَهَّبَ لِلصَّلَاةِ بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، فَالْأَوَّلُ يُشْعِرُ بِتَوَالِيهِمَا مَعَ فَرْقٍ يَسِيرٍ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَكِلَاهُمَا صَحِيحُ السَّنَدِ.
وَقَدْ فَسَّرَ هَذَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ بِقَوْلِهِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ: إِنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَيَتَرَبَّصُ بَعْدَ أَذَانِهِ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ يَرْقُبُ الْفَجْرَ، فَإِذَا قَارَبَ طُلُوعُهُ نَزَلَ فَأَخْبَرَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَيَتَأَهَّبُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ بِالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ يَرْقَى وَيَشْرَعُ فِي الْأَذَانِ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَذَا يَتَّفِقُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:»
لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ إِلَى آخِرِهِ، وَيُصَدِّقُهُ مَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى فَلَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ، وَهَذَا الْأَذَانُ الْأَوَّلُ لِلْفَجْرِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مَا عَدَا الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَحَمَلَ أَذَانَ بِلَالٍ عَلَى النِّدَاءِ بِغَيْرِ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا أَذَّنَ بِلَالٌ قَبْلَ الْوَقْتِ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْجِعَ فَيَقُولَ: إِلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ، وَهَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْأَحْنَافِ، مَا نَصُّهُ: وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ: لِتَوَارُثِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، فَيَكُونُ أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ


الصفحة التالية
Icon