بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمَا فَيَجُوزُ.
فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ مُؤَذِّنِينَ، وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُمْ كَانَ مَشْرُوعًا، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَكَانَ الْوَاحِدُ يُسْمِعُ النَّاسَ، فَالْمُسْتَعْجَبُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ مُؤَذِّنِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحَدُهُمَا يُؤَذِّنُ بَعْدَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْإِعْلَامُ لَا يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ أَذَّنُوا عَلَى حَسَبِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، إِمَّا أَنْ يُؤَذِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَنَارَةٍ أَوْ نَاحِيَةٍ أَوْ دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ أَذَّنَ عِدَّةٌ فِي مَنَارَةٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ خَافُوا مَنْ تَأْذِينِ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ فَوَاتَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، أَذَّنُوا جَمِيعًا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ: جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي سِيَاقِ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَحِكَايَةِ الْأَذَانِ مَا نَصُّهُ: إِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَالْحُرْمَةُ لِلْأَوَّلِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا فُرِضَ أَنْ سَمِعُوهُ مِنْ غَيْرِ مَسْجِدِهِ تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ السَّبَبُ، فَيَصِيرُ كَتَعَدُّدِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ سَمِعَهُمْ مَعًا أَجَابَ مُعْتَبِرًا كَوْنَ جَوَابِهِ لِمُؤَذِّنِ مَسْجِدِهِ.
هَذِهِ نُصُوصُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ لِلصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَعًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَالْمُؤَذِّنُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ إِلَى أَنْ قَالَ:
وَجَائِزٌ أَنْ يُؤَذِّنَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لِلْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَلَمْ يَمْنَعْ تَعَدُّدَ الْأَذَانِ مِنْ عِدَّةِ مُؤَذِّنِينَ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ.
الْحِكْمَةُ فِي الْأَذَانِ
أَمَّا الْحِكْمَةُ فِي الْأَذَانِ فَإِنَّ أَعْظَمَهَا أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَصْلِ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أُصُولِ عَقَائِدِ التَّوْحِيدِ تُعْلَنُ عَلَى الْمَلَأِ، تَمْلَأُ الْأَسْمَاعَ حَتَّى صَارَ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ.
وَنُقِلَ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ:


الصفحة التالية
Icon