وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْكِتَابَةِ لَا تَصْدُرُ إِلَّا مِمَّنْ لَا يَعِي مَعْنَى الْأَذَانِ.
هَذَا مَا اسْتَوْجَبَ عَرْضَ الْحِكْمَةِ مِنَ الْأَذَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مُجَانِبَةً لِمَنْهَجِ الْكِتَابِ، وَلَكِنْ بِمُنَاسَبَةِ مَبَاحِثِ الْأَذَانِ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مُحَاكَاةُ الْمُؤَذِّنِ
تُعْتَبَرُ مُحَاكَاةُ الْمُؤَذِّنِ رَبْطًا لِسَامِعِ الْأَذَانِ، وَتَنْبِيهًا لَهُ لِمَوْضُوعِهِ، جَاءَ الْحَدِيثُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَيْ مُعَاوِيَةُ: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مِثْلَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ إِلَى قَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَكَذَلِكَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ بِلَالٌ يُنَادِي، فَلَمَّا سَكَتَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا يَقِينًا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
كَيْفِيَّةُ الْمُحَاكَاةِ، فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: «فَقُولُوا مِثْلَمَا يَقُولُ» وَهَكَذَا يَشْعُرُ بِتَتَبُّعِهِ جُمْلَةً جُمْلَةً، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: فَلَمَّا سَكَتَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا» وَبَعْدَ السُّكُوتِ تَنْطَبِقُ الْمِثْلِيَّةُ بِمَجِئِ الْأَذَانِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ، فَوَقَعَ الِاحْتِمَالُ.
وَقَدْ جَاءَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ مَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، فَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُحَاكِيَ الْمُؤَذِّنِ يُتَابِعُهُ جُمْلَةً جُمْلَةً إِلَى آخِرِهِ مَا عَدَا الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بَدَلًا مِنْهُمَا بِالْحَوْقَلَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْحَيْعَلَتَيْنِ نِدَاءٌ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الْمُنَادِي، وَهَذَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِ، أَمَّا الَّذِي يَحْكِي الْأَذَانَ فَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ وَلَا يَصْدُقُ


الصفحة التالية
Icon