عَلَيَّ لِعَمْرٍو نِعْمَةٌ بَعْدَ نِعْمَةٍ لِوَالِدِهِ لَيْسَتْ بِذَاتِ عَقَارِبِ
وَلَئِنْ قِيلَ:
وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهُمُو أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ
فَإِنِّي لَأَقُولُ:
وَتَجَلُّدِي لِلسَّامِعِينَ أُرِيهُمُو شَمْسَ الْحَقِيقَةِ مِنْ سَنَاءٍ تَطْلُعُ
وَإِنِّي مُلْزَمٌ بِالْكِتَابَةِ لَوْ تَأَثَّرْتُ بِالْعَاطِفَةِ فَإِنِّي مَعْذُورٌ.
وَإِنَّ قَصَّرْتُ عَنْ حَقِّهِ فَلَا عُذْرَ لِي فِي التَّقْصِيرِ.
وَإِنِّي لَأَعْتَبِرُ مَا أُقَدِّمُهُ بِدَايَةً لَا نِهَايَةً وَتَذْكِرَةً لِلْآخَرِينَ مِنْ حَاضِرِينَ وَغَائِبِينَ، لَعَلَّهُمْ يُتِمُّونَ مَا بَقِيَ، وَيُكْمِلُونَ مَا نَقَصَ.
وَإِذَا كَانَتِ التَّرَاجِمُ وَالسِّيَرُ تَنْقَسِمُ إِلَى ذَاتِيَّةٍ وَغَيْرِ ذَاتِيَّةٍ. وَالذَّاتِيَّةُ هِيَ مَا يَكْتُبُهَا الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ طُفُولَتِهِ إِلَى رُجُولَتِهِ. وَيُسَجِّلُ مَا جَرَى لَهُ وَعَلَيْهِ. وَهِيَ أَصْدَقُ مَا تَكُونُ إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مُعْتَدِلًا أَمِينًا.
وَقَدْ تَرْجَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْفَلَاسِفَةِ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْهُمُ:
١ - ابْنُ سِينَا الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٤٢٨ كَانَتْ تَرْجَمَتُهُ لِنَفْسِهِ مَرْجِعًا لِكُلِّ مَنْ كَتَبَ عَنْهُ مِنْ تَلَامِيذِهِ.
٢ - وَالْعِمَادُ الْأَصْفَهَانِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٥٩٧ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ " الْبَرْقِ الشَّامِيِّ ".
٣ - وَابْنُ الْخَطِيبِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٧٧٦.
٤ - وَابْنُ خَلْدُونَ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٨٠٥، وَالسُّيُوطِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَالتَّرْجَمَةُ غَيْرُ الذَّاتِيَّةِ مَا يَكْتُبُ غَيْرُهُ عَنْهُ.
وَإِنَّ مَا أُقَدِّمُهُ فِي هَذَا الْمَجَالِ لَيَجْمَعُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ الذَّاتِيِّ، وَغَيْرِ الذَّاتِيِّ، لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا قَالَهُ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ وَسَمِعْتُهُ مِنْهُ مُبَاشَرَةً. كَمَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا عَرَفْتُهُ وَلَمَسْتُهُ مِنْ حَيَاتِهِ مُدَّةَ صُحْبَتِي لَهُ.


الصفحة التالية
Icon