نَادَتْ بِأَنْغَامِ اللُّحُونِ حُدَاتُهُمْ فَتَزَيَّلُوا وَاللَّيْلُ أَلْيَلُ دَاجِي
لَا تَصْطَبِينِي عَاتِقٌ فِي دَلِّهَا رَقَّتْ فَرَاقَتْ فِي رِقَاقِ زُجَاجِ
مَخْضُوبَةٌ مِنْهَا بَنَانُ مُدِيرِهَا إِذْ لَمْ تَكُنْ مَقْتُولَةً بِمِزَاجِ
طَابَتْ نُفُوسُ الشِّرْبِ حَيْثُ أَدَارَهَا رَشَأٌ رَمَى بِلِحَاظِ طَرْفٍ سَاجِي
أَوْ ذَاتُ عُودٍ أَنْطَقَتْ أَوْتَارَهَا بِلُحُونِ قَوْلٍ لِلْقُلُوبِ شَوَاجِي
فَتَخَالُ رَنَّاتِ الْمَثَانِي أَحْرُفًا قَدْ رُدِّدَتْ فِي الْحَلْقِ مِنْ مُهْتَاجِ
وَقَدْ سَأَلْتُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ تَرْكِهِ الشِّعْرَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَإِجَادَتِهِ فِيهِ فَقَالَ: لَمْ أَرَهُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفَاضِلِ وَخَشِيتُ أَنْ أَشْتَهِرَ بِهِ، وَتَذَكَّرْتُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ:
وَلَوْلَا الشِّعْرُ بِالْعُلَمَاءِ يُزْرِي لَكُنْتُ الْيَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيَدِ
لِأَنَّ الشَّاعِرَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَجَالٍ. وَالشِّعْرُ أَكْذَبُهُ أَعْذَبُهُ فَلَمْ أُكْثِرْ مِنْهُ لِذَلِكَ.
وَمَعَ هَذَا فَقَدْ كَانَتْ لَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِدَّةُ مُؤَلِّفَاتٍ نَظْمًا فِي عِدَّةِ فُنُونٍ سَيَأْتِي بَيَانُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
أَعْمَالُهُ فِي الْبِلَادِ: كَانَتْ أَعْمَالُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَعَمَلِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الدَّرْسَ وَالْفُتْيَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ قَدِ اشْتُهِرَ بِالْقَضَاءِ وَبِالْفِرَاسَةِ فِيهِ، وَرَغْمَ وُجُودِ الْحَاكِمِ الْفَرَنْسِيِّ إِلَّا أَنَّ الْمُوَاطِنِينَ كَانُوا عَظِيمِي الثِّقَةِ فِيهِ فَيَأْتُونَهُ لِلْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ وَيَفِدُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ أَوْ حَيْثُ يَكُونُ نَازِلًا.
طَرِيقَتُهُ فِي الْقَضَاءِ: كَانَ إِذَا أَتَى إِلَيْهِ الطَّرَفَانِ اسْتَكْتَبَهُمَا رَغْبَتَهُمَا فِي التَّقَاضِي إِلَيْهِ وَقَبُولَهُمَا مَا يَقْضِي بِهِ، ثُمَّ يَسْتَكْتِبُ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ وَيَكْتُبُ جَوَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَسْفَلَ كِتَابَةِ الدَّعْوَى وَيَكْتُبُ الْحُكْمَ مَعَ الدَّعْوَى وَالْإِجَابَةَ وَيَقُولُ لَهُمَا اذْهَبَا بِهَا إِلَى مَنْ شِئْتُمَا مِنَ الْمَشَايِخِ أَوِ الْحُكَّامِ.
أَمَّا الْمَشَايِخُ فَلَا يَأْتِي أَحَدَهُمْ قَضِيَّةٌ قَضَاهَا إِلَّا صَدَّقُوا عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْحُكَّامُ فَلَا تَصِلُهُمْ قَضِيَّةٌ حَكَمَ فِيهَا إِلَّا نَفَّذُوا حُكْمَهُ حَالًا. وَكَانَ يَقْضِي فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَكَانَ لِلدِّمَاءِ قَضَاءٌ خَاصٌّ.


الصفحة التالية
Icon