قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) (٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمْ أَهْلَكْنَا) : كَمِ: اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يَعْمَلُ فِيهَا يَرَوْا، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَهْلَكْنَا، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَمْ مَفْعُولًا بِهِ، وَيَكُونُ «مِنْ قَرْنٍ» تَبْيِينًا لَكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا، «وَمِنْ قَرْنٍ» مَفْعُولُ أَهْلَكْنَا. وَمِنْ زَائِدَةٌ؛ أَيْ: كَمْ أَزْمِنَةً أَهْلَكْنَا فِيهَا مِنْ قَبْلِهِمْ قُرُونًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَمْ مَصْدَرًا؛ أَيْ: كَمْ مَرَّةً وَكَمْ إِهْلَاكًا، وَهَذَا يَتَكَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا. (مَكَّنَّاهُمْ) : فِي مَوْضِعِ جَرِّ صِفَةِ الْقَرْنِ، وَجُمِعَ عَلَى الْمَعْنَى.
(مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) : رَجَعَ مِنَ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: «أَلَمْ يَرَوْا» إِلَى الْخِطَابِ فِي لَكُمْ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ لَكَانَ جَائِزًا.
وَ (مَا) : نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: شَيْئًا لَمْ نُمَكِّنْهُ لَكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» مَصْدَرِيَّةً، وَالزَّمَانُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: مُدَّةَ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ؛ أَيْ: مُدَّةُ تَمَكُّنِهِمْ أَطْوَلُ مِنْ مُدَّتِكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» مَفْعُولُ نُمَكِّنُ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَعْطَيْنَاهُمْ مَا لَمْ نُعْطِكُمْ.
وَ (مِدْرَارًا) : حَالٌ مِنَ السَّمَاءِ. وَ (تَجْرِي) : الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِجَعَلْنَا، أَوْ حَالٌ مِنَ الْأَنْهَارِ إِذَا جَعَلْتَ «جَعَلَ» مُتَعَدِّيَةً إِلَى وَاحِدٍ. وَ (مِنْ تَحْتِهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِتَجْرِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَجْرِي؛ أَيْ: وَهِيَ مِنْ تَحْتِهِمْ.